وهذه الوجوه شهدناها من قبل؛ وهذه الحوادث ليست غريبة علينا. نعم فيها شيء من القسوة السوداء في بعض المواقف، ولكنها في عمومها أليفة. تؤلمنا ولا ننكرها، وتؤذينا أحياناً، ولكننا نتقبلها!
هذا هو الصدق الفني. فنحن نعيش مع الرواية لحظة لحظة. نعيش مصريين، ونعيش آدميين، وفي المواقف القاسية، في مواقف الفضيحة، حيث تبدو الرذيلة كالحة شوهاء مريرة، نود لو ندير أعيننا عنها كي لا نراها، ولكننا نقبل عليها مضطرين ففي القبح جاذبية!. إنها الدمامل والبثور في جسم مصر وفي جسم الإنسانية كذلك، وإذا انفعلنا لها مرة لأننا مصريون، انفعلنا لها أخرى، لأننا ناس وإنسانيون.
لقد أختار المؤلف من بين طلاب الجامعة أربعة ليمثلوا الأفكار والاتجاهات التي تتصارع في المجتمع الحديث. . .!
الإيمان بالدين والخلق والفضيلة عن طريقه، والالتجاء إليه طلباً للخلاص.
والإيمان بالمجتمع والعدالة الاجتماعية، والصراع العملي لتحقيق الفضيلة الاجتماعية والشخصية من هذا الطريق.
وموقف المتفرج الذي يرقب هذا وذاك وذلك لمجرد التسجيل والنظر والمشاهدة. . .!
ونستطيع أن نلمح في ثنايا الرواية وفي خاتمتها ميل المؤلف لأن ينتصر للمبادئ على كل حال، وأن يحقر الإيمان بالذات والتدهور الخلقي والاجتماعي، والقذارة، والانحلال.
ولكنه لم يلق خطبة منبرية واحدة في خلال ثمانين ومائة صفحة ولم يفتعل حادثة واحدة افتعالا. . .
لي بعض الملاحظات على سياقه بعض الحوادث وشكلها. فقد كانت فيها قسوة في مواجهة صاحب الإيمان الثالث بالتجارب التي يحك عليها إيمانه ومبادئه! قسوة لم تكن الرواية في حاجة إليها لتصل إلى أهدافها. . . ولكنها في كل حال بعيدة عن التزوير والافتعال.
فمثلا هذا الشاب الذي أسماه (محجوب عبد الدايم)، ووصفه في هذه السطور:
(كان صاحب فلسفة استعارها من عقول مختلفة كما شاء هواه، وفلسفة الحرية كما يفهمها