هو، (طظ) أصدق شعار لها. هي التحرر من كل شئ، من القيم والمثل والعقائد والمبادئ، من التراث الاجتماعي عامة! وهو القائل لنفسه ساخراً: إن أسرتي لم تورثني شيئاً أسعد به، فلا يجوز أن أرث عنها ما أشقى به!، وكان يقول أيضاً: إن أصدق محاولة في الدنيا هي: الدين + العلم + الفلسفة + الأخلاق=طظ، وكان يفسر الفلسفات بمنطق ساخر يتسق مع هواه. فهو يعجب بقول ديكارت:(أنا أفكر فأنا موجود) ويتفق معه على أن النفس أساس الوجود! ثم يقول بعد ذلك إن نفسه أهم ما في الوجود! وسعادتها هي كل ما يعنيه؛ ويعجب كذلك بما يقوله الاجتماعيون من أن المجتمع هو خالق القيم الأخلاقية والدينية جميعاً. ولذلك يرى من الجهالة والحمق أن يقف مبدأ أو قيمة حجر عثرة في سبيل نفسه وسعادتها! وإذا كان العلم هو الذي هيأ له التحرر من الأوهام، فليس يعني هذا أن يؤمن به أو أن يهبه حياته، ولكن حسبه أن يستغله وأن يفيد منه، فلم تكن سخريته من رجال العلم دون سخريته من لرجال الدين، وإنما غايته في دنياه: اللذة والقوة بأيسر السبل والوسائل، ودون مراعاة لخلق أو دين أو فضيلة.
لقد استعار هذه الفلسفة بإرشاد هواه، ولكن تهيؤه لها نما معه منذ أمد بعيد. فهو مدين بنشأته للشارع والفطرة. كان والداه طيبين جاهلين، ولظروفهما الخاصة، أتم تكوينه في طرق بلدة القناطر، وكان لداته صبية شطاراً ينطلقون على فطرتهم بلا وازع ولا تهذيب، فسب وقذف وسرق، واعتدى واعتدي عليه، وتردى إلى الهاوية. ولما انتقل إلى جو جديد - المدرسة - أخذ يدرك أنه كان يحيا حياة قذرة، وعانت نفسه مرارة العار والخوف والقلق والتمرد. ثم وجد نفسه في بيئة جديدة، طالباً من طلاب العلم بالجامعة، ورأى حوله شباناً مهذبين يطمحون إلى الآمال البعيدة والمثل العالية، ولكنه عثر كذلك على نزعات غريبة، وآراء لم تدر له بخلد. عثر على موضة الإلحاد والتفسيرات التي يبشر بها علماء النفس والاجتماع للدين والأخلاق والظاهرات الاجتماعية الأخرى، وسر بها سروراً شيطانياً، وجمع من نخالتها فلسفة خاصة اطمأن بها قلبه الذي نهكه الشعور بالضعة. لقد كان وغداً ساقطاً مضمحلاً؛ فصار في غمضة عين فيلسوفاً! المجتمع ساحر قديم. جعل من أشياء فضائل وجعل من أشياء رذائل، ولقد وقف على سره وبرع في سحره، وسيجعل من الفضائل رذائل، ومن الرذائل فضائل، وفرك يده سروراً، وذكر ماضيه أطيب الذكر، ورمق مستقبله