وأدى الثمن - حسب فلسفته - وتسلم البضاعة. وكان هذا حسبه، وكان حسبه أن يقبل الوضع مموهاً من الخارج وهو يدرك حقيقته. ولكن المؤلف جعله يواجه الموقف سافراً بلا تمويه. أيقبل أن يكون زوجاً للفتاة التي هذا موقفها؟. . . ثم أيقبل أن يكون مقره (جرسونييرة) البك، وأن يواصل البك ما بدأ به وفي يوم معين يعلمه محجوب وعليه أن يغادر البيت فيه؟!
هذه قسوة لا مبرر لها ولا ضرورة. ومثلها أن تزف إليه (الفتاة) بلا احتفال. وكان من كمال السخرية أن يكون الاحتفال فخماً!
وشئ آخر آخذه على الرواية: لم جعل الفتى المؤمن المتدين لا تصطدم نظرياته بواقع الحياة؟ لقد اصطدم (علي طه) صاحب الإيمان بالمجتمع. اصطدم في قلبه وشعوره. فقد كانت هذه الفتاة التي زفت إلى زميله هي فتاة أحلامه وموضع إيمانه الاجتماعي. ولكنه احتمل الصدمة ومضى يؤمن بالمجتمع الكبير. واصطدم محجوب صدمات شتى وجف لها واضطرب، ولكنه احتملها في سبيل ذاته المقدسة! فلم لم يصطدم أبداً (مأمون رضوان)؟
هل يريد المؤلف أن يقول: إن إيمانه القوي بالله والدين والرجولة قد أعفاه من الاصطدام، كلا. إن المجتمع الفاسد المنحل الذي صوره في مصر - والذي هو مع الأسف واقع - لا بد أن يصطدم به كل صاحب إيمان، سواء كان إيمانا بالمجتمع أو حتى إيماناً بالحياة!
ربما لاحظ أن التنسيق الفني يحتم عليه ألا يبرز على المسرح إلا شخصية واحدة رئيسية. ولكن لا. فالرواية القصصية من طبيعتها أن تسمح لأكثر من شخصية بالبروز، والتنسيق الفني يتحقق بتنويع درجات البروز.
هذه نقطة من نقط الضعف في الرواية، كالنقطة الأولى كذلك.
وبعد فهناك صفحات رائعة قوية في تصوير المجتمع المصري وما فيه من انحلال يشمل الطبقات الأرستقراطية ودوائر الحكومة وآثام الفقر والثراء، وآفات المظاهر والرياء. . . الخ، ولكن يضيق عنها المقام، وأنا معجل عنها إلى مسألة أخرى لها أهميتها في وزن الرواية، وفي وزن كل عمل فني.
إن هذه الرواية على ما فيها من براعة في العرض، ومن قوة في التصوير - تصوير النماذج وتصوير المجتمع وتصوير المشاعر والانفعالات - هي أصغر من قيمتها الإنسانية