وقد اجتمع لدى الأستاذ من هذه الفصول مجلدات قيمة، في أبحاث مختلفة. منها ما هو في السياسة، ومنها ما هو في النقد، ومنها ما هو في الأدب. وقد حدثني الأستاذ في صيف هذا العام (في دمشق)، أن لديه إلى جانب ذلك مذكرات يحرص عليها أشد الحرص، ويعنى بترتيبها أيما عناية، وقد أسمعني بعضها وكان مما نشر في جريدته إبان عهدها الأول.
ويعجبك من (هذا الأستاذ) نشاطه الدائم ودأبه المتواصل وهم برغم هذا الانصراف الشديد - الذي ينصرفه للصحافة - ما تكاد تجلس إليه حتى تلمس فيه روح الأديب الفذ، إذ ما يتناول القول عن شيء، حتى يستشهد بحكمة أو مثل أو أبيات من الشعر وإليك شاهد من ذلك من كلمته الافتتاحية في العدد (٧٢٥٧) وعنوانها: (هذا عتابك إلا أنه مقة) ويقول فيها:
(إن أحسن مثل يضرب للصحف في هذه الأيام، هو ما قالته العرب: (مثقل استعان بذقنه)، وهو الجمل يثقل حمله فيعجز عن القيام به. وهذه حالة الصحف يثقل حملها في جميع أبواب نفقاتها، فتمد عنقها إلى الحكومة، فتكون (كالمستجير من الرمضاء بالنار).
إن التحكم والاستبداد بمقدرات الصحافة، أن تطلب جلب الورق فلا يسمح لها بذلك، وأن تنضب مستودعات الحكومات فلا تجد ما تقدمه للصحف من ورق. أليس هذا ما يسمونه ب (نقص القادرين على التمام)؟. . .)
وقد نبهني الأستاذ خليل مردم بك إلى أديب صحفي آخر، عاش في دمشق شطراً من عمره ومات فيها. وهذا الأديب هو الأستاذ (أحمد شاكر الكرمي) نسبة إلى (طولكرم) وهي بلدة في فلسطين، عرف أهلها بثباتهم الذي يبلغ حد العناد، وعروبتهم الأبية الصادقة، وإيمانهم الذي لا يتزعزع. وقد نشأ هذا الأديب في عائلة توارثت (العلم والأدب والقضاء والإفتاء) كابراً عن كابر، فأبوه قاضي القضاة الشاعر الناثر الشيخ (سعيد الكرمي)، وأخوه الشاعر الأستاذ (محمود الكرمي)، وأخوه أيضاً الشاعر اللامع الأستاذ (عبد الكريم الكرمي) المعروف ب (أبي سلمى). وسأتحدث عنهم جميعا حين أتحدث عن شعراء فلسطين
وقد اكمل الأستاذ (أحمد شاكر الكرمي)، ثقافته في الأزهر والجامعة المصرية. وهناك بدأ حياته الأدبية بالكتابة في جريدة (الكوكب). ثم سافر إلى الحجاز، وعمل هناك محرراً في جريدة (القبلة)، ثم رجع منها إلى دمشق، وحرر هنالك في جريدة الفيحاء. ثم أصدر بعد