للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مدينة رسول الله يا أبتاه. فدعاني أن أجلس، فو الله لقد أخذتني للرجل هيبة ما وجدتها لأحد ممن لقيت من صحابة رسول الله، ولا من أمراء المسلمين، وكانت عيناه تبصان في سدفة الفسطاط كأنهما قنديلان يلوحان في ظلامٍ بعيدٍ. وجعلت أنظر يميناً وشمالاً فلا ألبث أن أثبت نظري على سيفه المعلق، فلما رأى العجب في عيني قال: لعلك تقول، لقد كسر سيفه وهذا السيف معلق بحيث أرى! ثم قام واستنزل السيف واخترطه فإذا هو سيف من خشب. ثم قال: لقد فعلت ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم واتخذت هذا أرهب به الناس.

(قال عمر بعد حديث طويلٍ): قلت له: يا أبتاه والله لقد آنستني وأدنيتني وأطلقت لساني فلو سألتك! قال: سل ما بدا لك يا أبن أخي. قلت لقد حدثني عن قتلك كعب بن الأشرف إليهودي، وعن قتل يهود أخاك محموداً رضى الله عنه، فهلا حدثتني عن إجلائك يهود عن جزيرة العرب في زمان عمر؟ فقال:

رحم الله الرجل، فقد كأن شديداً في الحق حافظاً للعهد، ولكن يهود قوم غدر، أساءوا الجوار وخانوا العهد وتآمروا على المسلمين، فعزم عمر على أن يجليهم عن أرض العرب ليقطع غدرهم ويحسم مادة النفاق في هذه البقعة المباركة. فأرسل إلي وقال: (لقد عهد إليك رسول الله مرات أن تجلي يهود، فأنا أتبع سنته وأعهد إليك أن تجلي لي يهود عن أرض العرب، فلا تظلمهم ولا تؤذهم، ولكن لا تدع منهم صغيراً ولا كبيراً ولا طفلاً ولا امرأة حتى تستوثق من جلائهم بجموعهم عن أرضنا. ولئن عشت لأجلينهم عن كل مكان كبر فيه المسلمون لله، فإنهم أهل فسادٍ ونفاقٍ وخبث) فخرجت إلى طوائف اليهود في خيبر وسقتهم مستقبلاً بهم الشام، فلما بلغنا غايتنا أقبل علي رجل من ولد الحارث أبي زينب اليهودي ثم قال لي: لقد كنت مسترضعاً فينا يا أبا عبد الرحمن، وكنت أنت وابن الأشرف رضيعي لبانٍ، فما لبث أن جاء هذا الدين واتبعتم ذلك النبي حتى قتلت أخاك ورضيعك، وها أنت تخرجنا من ديارنا وأرض أجدادنا، وترمينا في ديار الغربة، فهلا كنت تركت كل ذلك لغيرك أيها الرجل! فقلت له: يا أخا يهود، لئن كنت قتلت رضيعي فقد قتل قومك أخي محمود بن مسلمة غدراً، وعرضتم لحرم رسول الله بالتشبيب والبذاءة والسفه، وأردتم أن تغدروا بنبي الله وتدلوا عليه صخرة لتقتلوه، أفتظن يا أخا يهود أنا تاركوكم تعيثون في

<<  <  ج:
ص:  >  >>