وكان يرتفع بها في (الحرية) إلى (المساواة) في آفاقها التي رسمنا. ثم إلى التحرر من الشهوات والمطامع المذلة أو الظالمة (إذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا. وإن الله على نصرهم لقدير)(ليس الشديد بالصرعة؛ إنما الشديد من غلب نفسه).
وكان يرتفع بها في (الكرامة) إلى (المساواة) وإلى (الحرية). ثم إلى الترفع على عبادة العبيد، والخضوع للمخلوقين. (إن العزة لله جميعاً).
وكان يرتفع بها في (العمل) إلى (المساواة) وإلى (الحرية) وإلى (الكرامة) جميعاً. . . ثم إلى الإنتاج والتقدم بالإنسانية. (لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره، فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير من أن يسأل الناس: أعطوه أو منعوه). (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه).
وكان يرتفع بها في (الرحمة) إلى ما فوق الذات، وإلى المشاركة الوجدانية مع الإنسانية، وإلى الشعور بالرحم الأقوى رحم البشرية:(وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم). (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)(الفقراء عيال الله وأحبكم إلى الله أرأفكم بعياله).
وكان يرتفع بها في (الاستشهاد) إلى ضمان هذه الفضائل جميعاً؛ وإلى الارتفاع عن الحياة المحدودة إلى حياة أخرى غير محدودة. وإلى الخلاص من أشد قيود الغريزة: من حب هذه الحياة المادية، إلى حب الفكرة المجردة.
بهذا الرصيد الروحي الفخم وثب الإسلام بحفنة من الرجال في الصحراء. شعث غبر فارتفع بهم على هامات الإمبراطوريتين الشائختين في فارس والروم. وبهذا الرصيد الضخم انطلقت الشعلة في الهشيم فأحالته ناراً ونوراً ينهض بالبشرية وينير لها الطريق. واندفع الإسلام يعبر الصحارى والجبال والبحار حتى يصل إلى سد الصين شرقاً وإلى بحر الظلمات غرباً في مثل لمح البصر بالقياس إلى عمر الدهر. فكانت هذه إحدى معجزاته الكبرى.
وعند ما انطلق الفاتحون في مشارق الأرض ومغاربها لم ينطلقوا للاستعمار والفتح، ولكن لنشر الفكرة العليا. وكلما هبطوا وادياً حرروا أهله من مستعبديهم ومن حكامهم ومن ذات أنفسهم. حرروهم من السلطان الغاشم، والاستغلال القبيح، ومن الضلالات والأوهام أيضاً؛