فلنأخذ الآن في تبين طرف من أعجاز القرآن العلمي عن طريق ضرب بعض الأمثال. وستكون الأمثال فردية لأن الناحية العلمية العامة من الأعجاز قد سبق بيانها في بعض أعداد الرسالة، إذ أثبتنا التطابق التام بين العلم الطبيعي الحديث والقرآن من ناحية الموضوع ومن ناحية الطريقة، وبينا أن العلم بموضوعه مأمور به في القرآن على التحديد، وأن العلم بطريقته يقره ويؤيده القرآن.
لنبدأ من الأمثلة بأول آية - بعد البسملة - في أول سورة من القرآن. ولنبدأ بالآية الكريمة فاتحة أم الكتاب. (الحمد لله رب العالمين) ولندع إعجاز شطرها الأول، ولنأخذ في إعجاز شطرها الثاني، ولنقصر من ذلك على ما يتمثل من الكلمة الأخيرة من: كلمة (العالمين).
لاشك أنها كلمة فاجأت العرب من الناحيتين على الأقل: ناحية الجمع، وناحية تذكير الجمع،. فالعرب لم يكونوا يعرفون إلا عالماً واحداً هو الذي كانوا يعيشون فيه. والناس إلى اليوم لا يتحدثون إلا عن عالم واحد هو هذا الذي نبصر ونحس ونعيش فيه. فقصر الحمد على رب العوالم شيء. فجأ الناس إذ ذاك ولم يألفه كل الناس إلى اليوم.
والتمس الناس تلك العوالم المتعددة فقالوا هي عوالم الإنس والجن والملائكة، وقالوا هي عوالم الحيوان والنبت والجماد، ولكن ليس كل ذلك بموف بمعنى ذلك اللفظ، لفظ (العالمين) إنه جمع معرف لا جمع منكسر، وأنت إذا قلت العالم لم تفهم إلا عالماً واحدا هو هذا الشامل لكل ما ترى من أرض وسماء. وإذا أخذنا بحرفية اللفظة في الفهم طبق قاعدتنا الأولى، كان عالمنا هذا فرداً من أفراد، وعالماً من عوالم مثله. فأين هذا المعنى في أي كتاب بأي لسان قبل القرآن؟
ثم جاء علم الفلك الحديث بمراقبه ومراصده، وتحليلاته الرياضية وغير الرياضية، فبين أن المجموعة الشمسية التي نحن فيها ومنها ليست في هذا العالم المجري شيئاً مذكوراً؛ وبين أن هناك عوالم مجرية أخرى مترامية المطارح تعد لا بالمئات ولا بالألوف ولكن بالملايين؟.
لكن العلم لم يهتد إلى الآن في العوالم المجرية الأخرى إلى أرض كأرضنا، وإن اهتدى إلى أن في كل عالم مجرى آلافاً مؤلفة وملايين من الشموس. وستجد أكثر الناس يقنع من التطابق القرآني العلمي في هذا اللفظ الكريم بهذا القدر؛ لكن حرفية المعنى القرآني لا تقنع