وفي القرن الرابع قبل الميلاد قام المعلم الأول أرسطو، الذي تلقى على أفلاطون فيلسوف ذلك العصر، وجمع ورتب التعاليم اليونانية بعد أن حللها وناقشها مع تلاميذه، وقاسها بمقياس العقل والمنطق، وعزا الحوادث والتغيرات في النجوم إلى مسبباتها الظاهرة، وخلّف للملأ خلاصة التعاليم اليونانية منقحة بفلسفته المنطقية، فأكبر العالم هذه العظمة فيه، فمال على كتبه ومؤلفاته يدرسها، فوجدها غاية المنطق، وسداد الرأي، وقوة الدليل، فاقتنع وآمن بها إيماناً ذهب بالشك في صحتها من قلبه
لم يكتف أرسطو بأن جعل الأرض ثابتة، بل تصور النظام الكوني كله مؤلفاً من كريات مستديرة الشكل في أحجام مختلفة والواحدة في جوف الأخرى؛ وعلى هذه الكرات جعل الأجرام السماوية تدور حول الأرض.
وقد حسب النجوم الثوابت كلها على أبعاد متساوية من الأرض، لذلك جعلها على سطح كرة واحدة، وقد علل اختلاف الأضواء المنبعثة من بعض السيارات باختلاف بعدها عن الأرض. ولما زادت العناية بمراقبة النجوم، ودقت ملاحظاتهم لها، تبينوا اختلافات كثيرة في حركاتها، لم يقدروا على تعليلها بكرة واحدة، فزادوا عليها كرات، وقالوا إن هذه الحركة الظاهرة ما هي إلا مجموع حركات دائرية على كرات مختلفة، وزاد أرسطو على هذه الكرات اثنتين وعشرين كُرة، كانت سبباً في تعقيد النظام اليوناني بدلاً من تسهيله.
الاسم الأكبر الذي كثيراً ما نصادفه في كتابات اليونان القديمة في علوم الهيئة وبين مؤلفات العصور الوسطى، وفي الكتب العربية المنقولة عن اليونانية هو بطليموس مؤلف كتاب الماجسطي الذي ترجمه إلى العربية الحجاج بن يوسف بن مطر سنة ٧٨٦م. وكان لهذا الكتاب المقام الأول بعد أرسطو لمدة أربعة عشر قرناً.
عاش بطليموس من سنة ١٠٠ إلى سنة ١٧٠ ب. م. وكان مولده على أيام الإمبراطور هدريان، وكان مقيماً طول مدته في الإسكندرية، وهو معدود من أشهر رياضي ذلك العصر. وكتابه الماجسطي يحوي كثيراً من العلوم الرياضية والجغرافية عن أبحاثه في علمي الهيئة والنجوم. وقد وافق هبارخس في تراكز الأجرام السماوية ودورانها حول الكرة الأرضية، ونزع فكرة الكرات فكرة أرسطو، وأدخل نظام الدوائر الصغيرة وهو النظام