ولأنهم يرجون مصلحاً ينهض بهم والزمان مقبل، والدنيا لا يزال فيها أمل، فيستردون به ما ضاع من مجدهم، ويعيدون به ما ذهب من عزهم، ويكون لهم في ذلك أمل كأفسح ما يكون الأمل، ويكون لهم فيه رجاء كأقوى ما يكون الرجاء. ويواتيهم فيه الزمان كما واتاهم من قبل.
ولا يرجون مصلحاً يأتي لهم في آخر الزمان، والدنيا مدبرة والآخرة مقبلة، فلا يكون أمامهم من فسحة الزمان ما يشيدون فيه كما شيد آباؤهم، ولا يكون عندهم من بعيد الأمل ما ينهض بهم كما نهض بسلفهم.
وهذا إلى أخبار المهدي المنتظر لا يتفق المسلمون على التصديق بها، بل يذهب كثير من العلماء إلى إنكارها، ويرون أنها تنبؤات وضعت لأغراض سياسية، وقد أكمل الله الدين ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وقطع ببعثته حجة السماء على الأرض، ولم يبق بعده حاجة إلى اتصال بينهما، كالاتصال الذي تقوم عليه فكرة المهدي المنتظر.
أما فكرة المجدد الذي يبعثه الله في كل جيل من أجيال المسلمين، فلا تقوم على ما تقوم عليه فكرة المهدي المنتظر من دعوى الولاية، وادعاء التأييد من الله تعالى، ولا يقصد صاحبها ملكاً بين الناس، ولا سلطة دينية ينتفع بها في دنياه، ولا يلزم أن يكون شخصاً من آل بيت النبوة، وإنما هو شخص من عامة المسلمين، كمل عقله، وسما علمه، وعرف الداء والدواء، وآمن بالتجديد والإصلاح، فقام يدعو إلى ذلك بالنظر والاجتهاد، ويؤيده بالدليل والبرهان، ويضحي فيه بنفسه وماله، ويستهين فيه بكل ما يلقى من كيد، وما يصادف من عناء، ويرجو من ذلك كله أن تظهر دعوته، وينتصر حقه على باطل غيره، فترتفع راية الإصلاح، وتنتشر دعوة التجديد، ولا يكون له بين المسلمين إلا شرف الجهاد، وحسن الذكرى.
وتلك كانت غاية الأنبياء والرسل من دعوتهم، من بعثة نوح عليه السلام، إلى بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول نوح لقومه في الآية (٧٢) من سورة يونس (فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين)
ويقول هود لقومه في الآية (٥١) من سورة هود (يا قوم لا أسألكم عليه أجراً إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون)