بذلك التمثال الذي شادوه من حطام آلامهم وأحزانهم أن يدفن في رمال الأجيال والقرون، وهو يرى أنه يجب على فرنسا أن تستمر على معرفتهم وأن ترثي لهم وتترحم عليهم! وتنصت (أود) إلى قوله في صمت ثم تؤكد له أن الأموات من جنود الوطن يسمعونه، فيناديهم بأسمائهم، ويخبرها أنه قد تبين أصواتهم فقد أجابوه وقالوا له جميعاً:(كونا سعيدين).
ثم تطلب إليه أن يدنو منها وهي تقول له في لهجة شعرية رائعة أخاذة.
- دع شفتي حتى أستطيع أن أحدثك. . . ضع فمك بقربهما تماما. لا. اعطني إياه. آه كم كنت أود أن أتمكن من إعطائك قبلاتي وكلماتي في آن واحد! أغمض عينيك كما أغمضهما أنا. أطفئ هذا الضوء الشرير (يطفئ المصباح وعندئذ تظهر على زجاج النافذة بشائر الفجر، الفجر الفظيع الرهيب الذي تحدد لرحيل الجندي العاشق. ولكنهما لا يزالان مغمضين عيونهما فلا يرياه) إنني إذ أكون لك أنسى العامل. خذ مني كل ما في من شباب. إنني أعطيك إياه. إنه لك. لك وحدك. لك دائما وإلى الأبد. أنت وحدك الذي سوف يعرف حرارة جسدي، إنني أذوب في حياتك. ثم تتذكر الفجر فتفتح عينيها وتقول وهي مضطربة: أنظر.! لا تنظر.! إنه هو. كلا. إنه ليس هو. قل إنه ليس هو. إنه ليس هو الفجر! فيقف ويحييها في جرأة وإقدام: إنه الفجر.
فتمسك به وهو على حافة الفراش وتقول: ليس هذا هو الفجر، لا شك أنه هو!
ويتأثر الجندي الشاب لذلك الحنان العجيب الذي تظهره (اود) فيذهب إلى النافذة ويسدل عليها الستائر. وهو يقول: إنه ليس الفجر ما دمت تريدين ذلك
- وماذا تساوي إرادتي؟
مادمت هنا فهي التي تسود العالم
- إذن فلا تسافر
- حسن. سأبقى
ثم يطلب إليها أن تنام لتستريح فتبدي له خوفها من أن يغادر المنزل وهي نائمة. فيؤكد لها أنه سيبقى. وتشعر أنها جد سعيدة إذ تراه بجانبها يتحدث إليها وهي في الفراش. فهذا أبدع من سماع الموسيقى. فالموسيقى تدلل الجسد، أما الحديث فهو وحده الذي يدلل الروح.