ولكنه ينتبه إلى وجوب التزام الوقار والحكمة! وتلتفت إلى خطيبها فتعاهده بأنه إذا مات مستشهداً في ساحة القتال فسوف لا تعرف في الحياة بعده إلا ذكراه. . . وينصح لها الشيخ ألا ترتبط بمثل ذلك التعهد فتسخر منه وتكرر قسمها بأنها سوف تقنع بذكرى خطيبها إلى أن تلحق به. . . فإذا عاد الشيخ إلى نصحها غالت في قسمها وعاهدت خطيبها على أنه إذا مات فستلحق به. ثم يشتد بها الضجر من الجو الذي يحيطها فتطلب أن يأخذها معه فيتوسل الشيخ إلى ابنه قائلا: اتركها لي. وعندئذ تلتفت إليه وتقول: أتوجه إليه الكلام!
الشيخ للجندي - قل لها أن تبقى. وتسخر منه اود فيعترف بأنه وهب قلبه لها للمرة الأولى في حياته. فتنبهه أي أنه يجب أن يهبه لابنه وحده. ثم تسأله: هل تعرف شيئا عن الحرب؟
الشيخ - أعرف اليوم للمرة الأولى. ثم يعترف بأنه لا يمكن لامرئ معرفة الحرب إلا بعد أن تدميه وتمزق قلبه. وها هو يشعر بقلبه يتمزق! وعندئذ تشير إلى الجندي قائلة: إذن أنظر إليه الآن!
الشيخ (نعم) - يا صغيري المسكين!
وتطلب إليه أن يحييه ويستغفره فيتقدم الشيخ إلى ابنه ويسأله الصفح وهو يقول: إن البطولة أيها الشبان من حقكم الطبيعي. إنني أتوسل إليك أن تعفو عما ارتكبته من حطة وضعة. لا أطلب شيئا آخر. . . سافرا. . . انسياني. (لابنه) ولكن لا تسافر قبل أن تقول لي أنك عفوت عني. فها أنا ذا والداك أجثو تحت قدميك. عفوك. فيتأثر الابن الجندي ويعفو عن أبيه ثم يقول: إنه لشيء جميل أن يكون رجل هرم مثلك بهذا الحنان. لا تأسف على ما شعرت به من الألم. فإذا تألم الشيخ أصبح شابا. لا وسيلة غير الألم لكي تقترب منا نحن الشبان.
وهذا هو في الواقع محرر القصة كلها، فقد وفق المؤلف توفيقاً تاماً إلى الغرض الذي يرمي إليه. إذ كان واجب الابن الجندي أن يرفع خطيبته ووالده إلى مستوى البطولة، وأن يسمو بهما إلى المثل العليا النبيلة التي وصل إليها حماة الوطن من جنود الجيش الفرنسي أثناء الحرب. . . وها هما قد ارتفعا وسمت نفساهما إلى السماء. . . وها هو الابن يعرض على (أود) أن تبقى مع والده بعد أن صفح عنه، فيأبى الوالد هذه المرة ويرفض. ولكن الابن يلح فيقبل الشيخ في خجل وحياء أن يحمي زوجة ابنه. ويلتفت الجندي إلى خطيبته فيطلب