يزور مصر في هذه الأيام مفكر ممتاز وأديب فرنسي كبير له صيته ومكانته، هو الأستاذ جورج ديهامل عضو الأكاديمية الفرنسية. وليس مسيو ديهامل بالمجهول لأبناء العربية عامة ولأبناء مصر خاصة، فقد سبق له أن زار مصر كما زار بلاد الشرق، وقد ترجم الدكتور طه حسين بك نخبة من آثاره إلى العربية، كما ترجم له الدكتور محمد مندور كتاب (دفاع عن الأدب) فأدى بذلك خدمة جليلة للأدب العربي في مرحلة التطور التي واجهها الآن.
ومسيو ديهامل في نحو الستين من عمره، وقد درس في أول حياته الطب، واشتغل بهذه المهنة، وكانت نفسه تنزع إلى الأدب فاستجاب لهذه النزعة وأخذ يجمع بين الطب والأدب، ولما قامت الحرب العالمية الأولى خدم فيها، واشتغل طبيباً في المستشفيات الحربية، وقد كان هذا من عوامل التطور في حياته وفي تفكيره. لأنه لمس آلام الإنسانية بيديه، وتمثلت مشاكلها الباطنية لعينيه.
وقد خرج من ذلك بعقيدة ثابتة وهي أن القلب موطن السعادة ومبعثها، وأن العلم والعقل والحضارة لا تستطيع أن تسعد إنساناً إذا لم تشف قلبه وتغمره بالرضا والبهجة والاطمئنان وهذه العقيدة هي محور التفكير عند هذا الأديب الكبير في كل ما ينتج.
وإيماناً بهذه العقيدة يحب ديهامل وطنه فرنسا ويفنى في هذا الوطن كما يقول، لأنه نشأ فيه وترعرع، ولأن فرنسا قد أسدت أكثر من أي أمة خدمات جليلة إلى الفن والأدب وبذلت كثيراً لإسعاد الروح الإنسانية، وقد كان مسيو ديهامل في بيروت قبل أن يصل إلى مصر وقد ألقى هناك عدة محاضرات، وسيلقي في مصر عدة محاضرات أخرى. وفي مساء الأربعاء الماضي ألقى محاضرة الأولى بدار جريد (البروجريه اجبسيان)، وكان موضوع المحاضرة (فرنسا حياتي) فقال إنه ابن فرنسا، وإنه نما وترعرع تحت سمائها؛ وعاصر فيها عدة مراحل سياسية وتاريخية، ولهذا فهو خبير بها مخلص لها، ثم تساءل: بأي مقياس نحكم أن دولة أعظم من دولة، أبكثرة عدد سكانها، أم بما تملك من وسائل الإنتاج الاقتصادي والرواج التجاري، أم بما تحشد من عدد الجنود والأساطيل، ثم أجاب على هذا التساؤل: كلا، بل بما تهب الدولة للعالم الإنساني من رجال عظام يخدمون الإنسانية في شتى نواحي الأدب والفن والعلم والاختراع، ثم أشاد بما وهبته فرنسا للعالم من رجال عظام