ويظهر أن مسيو ديهامل لا يقوم الآن بزيارة الشرق لمجرد الرحلة، بل ليؤدي واجبه نحو الوطن الذي يقول (إنه حياتي) وسيذيع سلسلة محاضرات في تمجيد الثقافة الفرنسية في وقت تتطاحن فيه الدعايات في الشرق للثقافة الأمريكية والثقافة الإنجليزية.
تراث المعري:
لما تجمع أدباء العربية في العراق منذ ثلاثة أعوام للاحتفال بذكرى أبي العلاء المعري رأى الدكتور طه حسين بك - وكان يومذاك مستشاراً فنياً لوزارة المعارف - أن خير ما يجب لأحياء ذكرى ذلك المفكر العظيم هو إحياء تراثه وطبع مؤلفاته. وقد أسرع بتنفيذ هذه الفكرة فألف لجنة من وزارة المعارف قوامها الأستاذ إبراهيم الأبياري وعبد السلام هارون وحامد جادو وعبد الرحيم محمود ومصطفى السقا، وضم إلى اللجنة السيدة ابنة الشاطئ ولكنها لم تقدر على احتمال هذه المهمة الشاقة فانصرف أو صرفت عنها.
واعتكفت هذه اللجنة في حجرة دار الكتب، وجمعت حولها كل تراث المعري وكل ما تحتاج إليه من الأضابير ومجفو الطوامير، واستطاعت أن تحصل على المصادر التي ليست بالدار وما تبعثر من آثار المعري في سائر الأقطار، وقد استطاعت بعد قليل أن تخرج كتاب (تعريف القدماء بأبي العلاء) جمعت فيه كل ما قاله السابقون في المعري، وهو كتاب يغني الباحث عن الرجوع إلى عشرات الكتب كما يجد فيه ما لا يمكن أن يصل إليه لندرة المصادر.
ثم أخذت في إخراج كتاب (سقط الزند) مكملاً بالشروح الثلاثة للتبريزي والبطليوسي والخوارزمي وقسمت الكتاب إلى أربعة أجزاء على أن يضم إليه خامس يشمل فهارس مفصلة، وقد أنجزت منه إلى الآن ثلاثة أجزاء.
وإنه لعمل جليل نافع، يزينه إخلاص أعضاء اللجنة وما يتحلون به من صبر العلماء وتفرغهم لخدمة العلم والأدب منقطعين عن ضجيج الحياة الفارغ، على حين أن الوزارة لا تكافئهم بما يكفي من الأجر، ولا تجازيهم حتى بكلمة شكر. . .
ولكن الأمر الذي يؤسف له أن اللجنة تخرج ما تنجزه من الكتب ثم تسلمه لوزير المعارف ليتصرف فيه بحكمته. ووزارة المعارف توزع الكتب هدية، ولكنها تكون هدية إلى من