للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منها، سخيفة النسج، مضطربة الموضوع، عمادها العرى والخلاعة والتخنث ورقص البطن؟

أو ليس أعجب منه أن تكون المجلات الفرنسية أعف في الجملة من مجلاتنا التي لا يخلوا أكثرها من صور الأفخاذ والسيقان والبطون والنهود، تسابقت في ذلك حتى بلغت الوقاحة ببعضها أن نشرت صور نساء عاريات لا يسترهن قليل ولا كثير؟

أو ليس أعجب من هذا كله، أني ذهبت مساء الخميس الماضي إلى مجلس يجتمع فيه عادة فريق من أكابر رجال التأليف والتعليم في مصر، فتكلمنا في هذا الموضوع، فإذا أكثر الحاضرين بين غافل عن هذا الداء لا يبصره، أو متهاون به لا يكبره، أو راض به لا ينكره، وإذا هم جميعا يتسلون في ساعة الخطر ويلهون يوم الجد، ويرددون هذه الكلمات الحلوة (حرية الرأي) و (ضرورات الفن) و (مقتضيات العصر)، والنار مشتعلة في البلد؟!

يا أيها السادة المبجلون:

فكروا قليلا فإنكم قادة الرأي فينا، فلا تكونوا تبعا للعامة من أهل أوربا، فما يفلح قوم قادتهم تبع للعوام من أعدائهم، فكروا بعقولهم التي في رؤوسكم لا بعقول أصحاب الوجوه الشقر، تروا أن الحريات كلها، والفنون جميعا، والحضارة من أساسها، إنما كانت لتزداد بها الأمم قوة، والناس إنسانية؛ فإذا أساء قوم استعمالها وأخذوها من ذنبها فجاءت في أيديهم مقلوبة منكسة حتى تبدل وضعها وضاعت فائدتها، وصارت للأمة ضعفا لا قوة، وأعادت الناس إلى البهيمية لم ترتق بهم في سلم الإنسانية، فقد وجب في شرعية العقل وجوبا درء ضررها، ودفع أذاها، وإلا كانت كالسيف يأخذه الأحمق الغرير، فيجرح به نفسه، وما كان السيف إلا ليرد به العادي ويذاد به عن الحمى، وما أظن أن على ظهر الأرض عاقلاً واحداً، يرضى أن يضحي بأخلاق أمته وعفافها، من أجل مقالة فيها كلام جميل، أو قصة فيها وصف رائع، أو صورة فيها فن بارع، وإن الأمم تعيش من غير أدب مكشوف، وفن عار، ولكنها لا تعيش بلا أخلاق،

وأنا أحب الأدب، وأقدس الحرية، ولكني أفضل أن نبقى مقيدة ألسنتنا وأقلامنا بقيد الإسلام والأخلاق، على أن نهلك ونحن أحرار نقول ما نشاء، فمن هو الذي يخالف في هذا من القراء؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>