للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المتكلمين أخذوا على مر السنين يفرقون بين علوم المنطق

وبين علوم الفلسفة إلى أن قال: (ثم نظروا في تلك القواعد

المقدمات في فن الكلام للأقدمين فخالفوا الكثير منها بالبراهين

التي أدت إلى ذلك، وربما أن كثيراً منها مقتبس من كلام

الفلاسفة في الطبيعيات والالهيات، فلما سبروها بمعيار المنطق

ردهم إلى ذلك فيها ولم يعتقدوا بطلان المدلول من بطلان

دليله كما صار إليه القاضي. فصارت هذه الطريقة من

مصطلحهم متباينة للطريقة الأولى وتسمى طريقة المتأخرين).

ففي رأي أبن خلدون يرجع الفرق الحاسم بين الطريقتين إلى

هذا: يعتقد المتقدمون أن بطلان الدليل يؤدي إلى بطلان

المدلول ويرفض المتأخرين هذا الزعم.

وأقر بكل بساطة، مع احترامي لأبن خلدون وسعة اطلاعه، بأني لم أرتض هذا الرأي لأني حاولت أن أطبقه على كتابي إمام الحرمين - الإرشاد والشامل فلم أعثر على المبدأ الذي يقول به المؤرخ العربي الشهير. كما أني لم أجد في كتب الغزالي الخاصة بعلم الكلام - على القدر الذي أعرفه - دحض هذا الرأي الذي يظهر فساده من أول وهلة. ومن يدرس عن كثب المناقشات الطويلة التي وردت في (الشامل) لا يلبث أن يتحقق أن الأمر خلاف ما ذهب إليه أبن خلدون. ولقد تبادر إلى ذهني أن الفرق الحاسم بين الطريقتين قد يرجع إلى نوع المنطق المستعمل فيهما، أو بالأحرى إلى مدى استعمال المنطق اليوناني فيهما. والذي هداني إلى هذا الرأي هو حدوث شبيه هذا المظهر في القرون الوسطى عند المسيحيين؛ فقد كان يوجد في العالم العلمي الأوروبي حتى القرن الحادي عشر منطق

<<  <  ج:
ص:  >  >>