أرسطو في مختلف أقسامه، وكان يستعمل في المناظرات اللاهوتية ولكن من الوجهة الجدلية فقط. فعندما ترجمت كتب أرسطو الأخرى وخاصة كتابه ما بعد الطبيعة أحدثت في كهان علم اللاهوت انقلاباً عظيما. . . أصبح القياس الأرسطي محور البحث الديني نفسه، والمبادئ الأرسيطة - بقدر ما تكون غير مخالفة للعقائد - القالب العلمي لتقديم العقائد وربط بعضها ببعض والدفاع عنها والتعمق في مضمونها. ولقد تساءلنا عما إذا لم يحدث ما يشبه ذلك في علم الكلام عند المفكرين المسلمين. فلا شك أنهم عرفوا أرسطو منذ القرن الثاني للهجرة فقد كان بعض المعتزلة يقرؤون كتبه ويستفيدون منها. ومن المحتمل بل من المرجح أن مبادئه المنطقية أخذت تتسرب رويداً رويداً إلى علماء الكلام عن طريق المجادلات والمناظرات مع الفلاسفة أو الملحدين، وأخيراً اندمج في علم الكلام نفسه وأصبح من آلاته الأساسية.
ولقد تحدثنا مع الأستاذ الكوثري في هذا الموضوع، فتفضل
وأرشدنا إلى مخطوط لتلميذ للباقلاني أبو جعفر محمد بن أحمد
السمناني (المتوفي سنة ٤٤٤١٠٥٢)، وعنوان المخطوط:
(آليان عن أصول والكشف عن تمويهات أهل الطغيان)
يحوي هذا المخطوط باباً خاصا (بالفرق بين الأدلة الصحيحة
وبين فاسدها وذكر أقسامها)، يمكننا أن نعتبرها أنموذجا
خالصا لطريقة المتقدمين، فلا ذكر هنا لقياس أرسطو، ولا
ذكر لإبطال المدلول بأبطال الدليل الذي جعله أبن خلدون
معيار طريقة المتقدمين، بل يكتفي السمناني في القسم الأول
من الأدلة بذكر (حجة العقول التي نبه الله عليها بقول تعالى
لقوم يعقلون، ويتذكرون أفلا يتدبرون) وهذا القسم يقع