وأي غرابة بربكم أيها الناس في أن يكون الأدب طريقاً للنيابة ومرشحاً لها! أليس للأديب والشعر في خدمة الفن والثقافة وتهذيب العواطف الإنسانية، وما هو أجدى وأنفع من مال ضخم يملكه حيوان آدمي لا يرضيه إلا أن يمشي على الرؤوس والرقاب، وأن يحتل على كراسي النيابة أكبر فراغ بكرشه المدلى وأوداجه المنفوخة؟!
إن للأخطل الصغير مئات الأبيات التي تعمر أفئدة الآلاف من أبناء العروبة، وتردد ألسنتهم نبراتها ومقاطعها في شغف وسحر، ترى لو أن له بيتا أو بيتين يسكنهما الناس بالكراء، ويدران عليه وفير المال كان ذلك أجدى في نظر أولئك المستهزئين وكانت أصوات المتملقين ترتفع: يجب على (النيابة) أن تسعى إليه، وأن تركع عند قدميه.
لقد آن لنا أن نفهم أن (النيابة) رسالة إنسانية قبل كل شيء، رسالة قوامها العواطف المهذبة الشريفة، ويوم أن ترسخ هذه العقيدة في نفوسنا، سنرى أن أولى الناس بهذه الرسالة (الأخطل الصغير)، وإخوانه من الشعراء والأدباء وحملة المشاعل الإنسانية.
هذه السينما وهذا الفن:
(من أخلاق الصغار تقليد الكبار، فمن أخلاق الأمم الضعيفة الافتتان بكل ما يصدر عن الأمم القوية، ونحن كأمة ناشئة، ضعيفة، أخنى عليها الاستبداد طويلا، ورسفت في قيود الجمود قرونا، نميل إلى التقليد ونسعى إليه سعي المستميت، ولكن أغلب تقليدنا في القشور دون اللباب، وفي العرض لا في الجوهر). . .!!
(ولنخص بالقول هنا السينما، هذه الدنيا الزاخرة المواراة التي أقبلنا عليها إقبال الصادي على المنهل العذب، فلم تتقيد بواجب أو نحيط لمحذور، فكان من أثر هذه الشراهة وهذا التفريط أن أصيبت نفوس ناشئتنا العزيزة الغريرة ونسائنا الساذجات بعادات وخلائق ليس بينها وبين عاداتنا وخلاقنا الأصلية النبيلة أي ارتباط أو صلة، فهبط المستوى الخلقي والأدبي إلى حيث لا ينفع النصح والإرشاد. وإن تسعة وتسعين في المائة من هذا الهبوط والتدني قد جاءنا عن طريق هذه السينما اللعينة التي يعب عشاقها وروادها من شرورها ومساوئها ولا يستوحون منها غير ما يسمم العقول والنوازع لأن فكرة الأفلام لم تستوح إلا تملق غرائز الجماهير واستهواءهم).