وقد رمت الشريعة الإسلامية فيما جاءت به إلى المحافظة على الدين والنفس والعرض والعقل والمال وتلك أقصى غايات السعادة في الدين والدنيا، فمثلا للمحافظة على الدين حرم الكفر والإلحاد وشرعت الصلاة والعبادات، وللمحافظة على النفس حرم القتل والانتحار. وللمحافظة على العرض حرم القتل والزنا. وللمحافظة على العقل حرمت الخمر ونحوها. ولمحافظة على المال فرضت الزكاة وحرم الميسر والسرقة.
وسنتكلم فيما بعد عن التشريع الجنائي الذي كفل تحقيق هذه الأغراض.
القواعد الأولى التي وضعتها الشريعة الإسلامية لصيانة الأمن
العام
تتلخص في أن تصان النفس البشرية من العوامل التي تحملها على الإجرام وذلك:
أولا - بتهذيب النفس بالوعظ والإرشاد وإقرار العقائد الصحيحة التي تنير القلب وتجعله في شغل دائم بمراقبة الخالق والخوف من عقابه واجتناب ما نهى عنه.
ثانيا - بفرض الزكاة والترغيب في الصدقات صيانة للمجتمع من عوامل الإجرام فقد قال الله تعالى (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) وقال تعالى (فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث) وقال تعالى (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وقال عليه الصلاة والسلام (من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة؛ ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)
وبذلك تزول حاجة الفقير فلا يفكر في ارتكاب الجرائم. فلو علم كل فقير إن له حقا في مال الغني ما وجد عليه، ولساعده في استثمار أمواله لعلمه إن ذلك يعود عليه بالمنفعة فيعمل مجدا مع الغني في زيادة الإنتاج في جو من الأمن والسلام. إذ لا يخفي أن الجرائم إنما ترتكب غالبا بدافع الفقر والعوز وما (مشروع بفردج) وغيره من المبادئ الحديثة الخاصة بتأمين حياة الفقير ورفع مستوى معيشته إلا للأغراض التي توختها الشرائع السماوية.
على إنه ينبغي للغني أن يذكر دائما إنه لا يعطي حين يعطى تبرعا بالمعنى الصحيح بل إن ذلك في الحقيقة حق عليه كما تقدم ذكره في الآية الكريمة، يأخذه الفقير وهو محفوظ