آلي، فالموظف لا يعنيه منه إلا إنه يوم راحة من عناء الديوان، والتاجر لا يحفل فيه إلا ببيع لعب الحلوى للاطفال، وطوائف الشعب لا تستقبله إلا على أنه عادة خلقتها الأيام، أما أبناء الذوات والبيوتات فلم يعد هذا الموسم منهم على بال، وهيهات أن يبلغ في تقديرهم مبلغ سهرة من سهرات (بديعة). وأما أرباب الشعر والفنفإنهميعتقدون أن المناسبة فيه مناسبة قديمة عتيقة. وهكذا مضى المولد النبوي هذا العام وكأنها الرسوم المحلية، وكلمات ألقاها بعض الوعاظ والخطباء وهي لا تعدوا الألفاظ والتعابير التي تموت على الشفاه. . . فما الذي عدا مما بدا؟ هي طبيعة العصر ووجهته، أم ظروف العيش وقسوته، أم هو صنيع الآلة بنا حتى أصبحنا لا نحس الحياة في أجلى مظاهرها إلا على وضع آلي؟!. . .
شاعر يتحدث عن الشعر:
ألقى الأستاذ عمر أبو ريشة الشاعر المعروف في (النادي العربي) بدمشق حديثا عن الشعر وما ينشد من المثل الأعلى في الحياة قال فيه:
(. . . كم شعرت برعشة وأنا أقرا بعض الشعر! وكم حاولت أن أتبين المواطن التي أثارت عندي هذه الرعشة فكنت أبوء بالخيبة)
(أنا في كل يوم أحب وأكره، وأومن وأكفر، فلا أقيم على رأي، ولا أستقر على اتجاه. . . قرأت منذ أمد بعيد الملاحم في الشعر، فأسكرتني روعتها، وهزتني حيويتها، حتى إذا كدت احسبها ما ينتهي إليه طموح شاعر، سمعتني أتمتم بيني وبين نفسي: ما لي ولهذا الشعر الذي ترضعه الخرافة، ويريبه المجهول، ليصبح تسبيحا للماضي السحيق الموهوم؟ ومرت الأيام، إذا أنا في إحدى العشيات، وبعد أن شيعت صديقا عزيزا علي إلى مقره الأخير أمد يدي إلى (الألياذة) مندفعا برغبة ملحة إلى قراءة دموع (أخيل) على جثمان صديقه (بتروكلس)، تلك الدموع التي قراها قبل الشاعر (بيرون)، فشعرت بميل خفي نحو (هومير) فرجعت إليه وقرأته مرة ثانية في نشوة وطرب وأصبحت أجد في الملاحم متعة للنفس المثقلة بأسرار الحياة وأعبائها، فإذا كانت غاية الشعر كما تقول بعض الآراء أن يرفه عن النفس، ويخرجها من افقها الضيق، وينسبها ما يحيط بها من متاعب الدنيا ولو إلى حين، فلماذا أربأ بالشعر أن يكون مشحونا بالخرافات والأوهام؟)
(وقد قرأت الشيء الكثير من القصائد والمقطوعات الشرقية والغربية حتى إذا ارتويت، أو