هتف الناعي من بيروت منذ أيام بموت الأديب الشاعر إلياس أبو شبكة، فعز نعيه على أصدقائه وعار في فضله، وهز فقده وجدان أبناء العروبة القادرين لفضله. . .
مات إلياس أبوشبكة وهو في عنفوان الحياة، إذ كان أوفى ما يكون نشاطا وإنتاجا وكانت آثار قلمه البليغ، وفنه الرفيع تتناثر على أبناء العروبة كأنها قطرات الطل على أوراق الزهر. وهكذا تحطمت (القيثارة) فجأة وهي لما تزال مشدودة الأوتار، تردد أعذب الألحان وأطيب الأناشيد.
نشأ إلياس رحمة الله عليه فتى يتيم، فقد فتكت يد أثيمة بوالده في مطارح الغربة بعيداً عن زوجه وصغاره، فكانت فاجعة قاسية أفعمت نفس الفتى بالألم، وأرهفت قلبه بالأسى والشجن، ثم كانت الحرب العالمية الأولى وآثارها في لبنان موطن الشاعر. . . أرض لا يعمرها (إلا أشلاء الجائعين، ونسمات لا تحمل إلا عبق البارود وأبخرة الدماء والدموع، وأطيار ماتت في الحقول على الأغصان المتكسرة والأوراق اليابسة الصفراء، وليس من حداء الحياة إلا أنين المتألمين وحشرجة البائسين)، ومن هذا كله تغذت نفس الياس، وعلى هذا كله تفتحت شاعريته، فنبت كالزنبقة البيضاء على قمم لبنان وفي أحضان أغواره يتموج بالنشيد، ويهتف بالقصيد. .
وصف فقيد الأدب (فيلكس فارس) شاعريته وهي تتماثل للتمام علم١٩٢٥ فقال: (لقد قرأت شعر إلياس أبوشبكة قبل أن أعرفه، فجزعت نفسي عليه من نفسه. سمعته ينطق بأرق ما في القلب من الحب، وبأرقى ما في الحب من الوحدة والإخلاص، فقلت إنه قلب معد للسحق، مهيأ لأنيذبح على مذبح غواية الغانيات في زمان وفي وطن تمرد فيه المرأة على كل شئ لتمد عنقها صاغرة أمام آلهة التقليد والبذخ والمطامع. .)
(ورأيته يترامى متهالكا على المغاور المظلمة وقد رفع بيمناه قبس النور، ونبضات قلبه تتدفق بآيات الحكمة من فمه، فارتعشت نفسي أمام هذا الشاب المتلاعب بالحياة والموت، وقلت ان مغاور الظلمة ستبتلعه، وإن قبس النور سيحرق يمناه. .)
(وشاهدته يتهدد سلطات النفوذ والجهل والمال، ويصرخ بالأمة داعيا إلى النهضة والحياة، وسمعت في شعره أجمل شاعر لنصرة الحق على الباطل، فأمسكت على قلبي وسترت عيني بيدي حتى لا أرى ضحية جديدة وشهيدا جديدا. .).