وكان الكونت ينظر إليه ضاحكاً لم تزل عنه بشاشته، بل لقد صحب تلك البشاشة شيء من التسامح والرفق، ولما رأى ليو تسامح أبيه أمتلئ سروراً منه وازداد إعجاباً به، وعند انصرافه لثم يده في حماسة ظاهرة ليريه مقدار ما في نفسه من رضاء على ما أظهر من رحمة ورفق.
وامتد عطف الصبي حتى وسع الحيوان فقد أحزنه ذات يوم مرأى كلب مربية والخدم يشنقونه، وكان ذلك الكلب العزيز الرمادي اللون ذو العينين الجميلتين والشعر الناعم الجعد على حد وصفه قد أصيب بكسر ساقه إذ مرات فوقه عربة، فأعدم إذ لم تعد بهم حاجة إليه في الصيد؛ وعجب الصبي لما رأى بقدر ما تألم منه. وانه ليروي هذا الحادث بعد فيما يروي من حوادث الصغر مما يدل على شديد تأثره به، قال:(كان الكلب يعاني الألم وكان مريضاً وقد شنق بسبب ذلك. لقد أحسست أن هناك خطأ فيما يقع، ولكني لم أجرؤ على الثقة في شعوري حيال ما أرى من تصميم ثابت من جانب قوم أحترمهم).
ووقف الصبي ذات يوم يمسح بكفه الصغيرة حصانة، وقد وثب عن ظهره إلى الأرض إذ نبهه أحد الفلاحين وقد رآه يضربه ألا جدوى من ضربه لأنه متعب، ونظر الصبي إلى الحصان وهو يلهث ويخرج أنفاسه في زفرات مؤلمة متقطعة، وجنباه يرتعشان والعرق يتبخر منهما، فبلغ من حزنه أنه (أخذ يقبل عنقه الذي بلله العرق ويسأله الصفح عما أوقع به من أذى). . .
وممن وسعهم عطف الصبي وشملهم بره أولئك الفقراء الذين كان يعدهم الناس من الصالحين الأولياء، وكانوا كثيرين في تلك المنطقة لقربها من كييف حيث يتقاطر الحجيج ليزوروا مواضعها المقدسة، وكان مرأى هؤلاء في أسمالهم البالية وبلاهتهم وتمتماتهم وعدم اكتراثهم لأي شيء أمراً يثير الدهشة في نفس الصبي كما يبعث فيها كثيراً من الرهبة، ويوحي إلى خياله أطيافاً مهمة وصوراً غامضة؛ وكان ينبئه اخوته أن في هؤلاء الصالحين سراً لا يمكن كشف يجعلهم على الرغم من حقارة مظهرهم وقذارة أسمالهم أقرب الناس إلى مرتبة القديسين، وقد وصف تولستوي هذه الطائفة في شخص (جريشا) الذي تحدث عنه في كتابه (عهد الطفولة) وقد كتبه وهو في الخامسة والعشرين من عمره قال: (كان جريشا شخصية مخترعة، وكان يغشى منزلنا كثير من هؤلاء البلة الطيبين، وقد علمت أن انظر