ولما وضعت الحرب أوزارها أقامت لويز في لندن وكانت وقتئذ في الأربعين من عمرها نحيفة ضعيفة بعينها الوسيعتين وخديها الشاحبين. ومع ذلك فلم تكن تبدو إلا وكأنها في الخامسة والعشرين من عمرها. وكانت إيريس قد شبت وأتمت دراستها فجاءت لتعيش معها. قالت لويز: ستعني بي. حقا أن من الصعب عليها أن تعيش مع امرأة عليلة مثلي ولكن ذلك لن يدوم طويلاً أنا موقنة برضائها.
وكانت إيريس فتاة جميلة، ولقد نشئت وهي تعرف أن صحة أمها منحرفة فلم يسمح لها في طفولتها أن تحدث ضجة في البيت، وكانت تدرك دائما ما يجب عليها من مراعاة راحة أمها. وبالرغم من أن لويز قالت لها الآن إنها لن تسمح لها بأن تضحي بنفسها من أجل امرأة عجوز مزعجة لم تستمع الفتاة لقولها فهي لم تكن تستشعر في عملها أنها تضحي بنفسها وإنما كانت تحس بالسعادة وهي تقوم بخدمة أمها العزيزة المسكينة. وتنهدت الأم وخلتها تقوم بجميع شؤونها. قالت لويز: إن الطفلة مسرورة بأن تجعل من نفسها شيئا ذا نفع. فقلت لها: ألا ترين أنه يجب عليها أن تخرج للرياضة من وقت لآخر. فقالت: هذا ما أقوله لها دائما، أنا لا أستطيع أن أقنعها بأن تسري عن نفسها. يعلم الله أنني ما أردت قط أن أعني مخلوقا بخدمتي.
ولما راجعت أيريس في ذلك أجابتني قائلة: مسكينة أمي العزيزة إنها تريدني على أن أخرج فأجالس الأصدقاء وأحضر الحفلات ولكنني أفضل أن أبقى في البيت فإنها في اللحظة التي أتهيأ فيها للخروج تعتريها نوبة من نوباتها القلبية.
لم تلبث إيريس أن وقعت في حب أحد أصدقائي. وكان شابا طيبا حلو الشمائل تحبه نفسي، ولقد رضيت به إيريس حين تقدم لخطبتها ففرحت بأن الفرصة في أن تحيا حياة مستقلة قد هيئت لها. وأعترض أيريس الشك في إمكان الزواج ولم يلبث الشاب أن حضر إلى ذات يوم وهو في أشد حالات الحزن وأخبرني أن الزواج قد تأجل إلى أجل غير مسمى.
لقد أحست إيريس بأنها لا تستطيع أن تترك أمها. وطبعي أن المسألة لم تكن تخصني بالذات ولم يكن لي فيها دخل ولكنني اهتبلت الفرصة وذهبت لأقابل لويز. لقد كان يسرها دائما أن تستقبل أصدقاؤها وقت تناول الشاي، أما وقد تقدمت بها السن الآن فقد أحاطت نفسها بمجموعة من الرسامين والأدباء.