العلم العصري الذي يجعلهم أبناء حقيقيين لزمانهم يساهمون في خدمة المعارف الإنسانية وفي إمداد شعلة الحضارة ومد نورها على ديارهم وهم من أذكى الناس وأشدهم جلداً على التعلم والعمل. وإذا نسى التاريخ مخازي الأمم فلن ينسى لفرنسا أنها تتخذ سياسة تجهيل المغاربة عمداً وترسم لذلك الخطط وتستفتي مفكريها ليهدوا فريقاً من الناس إلى طريق الجهالة العمياء، ويصرفوهم عن طريق المعرفة البيضاء! إن هذا أكبر عار يلحق بفرنسا، وإنه لأكبر (ارتداد) عن رسالة العلم، وإنه لجدير أن يخزي وجهها يوم يستعرض عملها أمام هيئة الأمم المتحدة وينشر عل رءوس الأشهاد في يوم آت قريب.
وإنني لا أذكر لفرنسا هذا الموقف المخزي إلا أشعر سخط الإنسانية كلها لا القومية العربية وحدها يثير في دمي القشعريرة والاشمئزاز! وعلى فرنسا أن تسير مع الزمن في علاقاتها السياسية بشمال أفريقية وأن يتطور غيرها في ارتباطاتها بالشعوب العربية التي بينها وبينها مصالح، وأن تعلم أن الفجر الدولي قد سطع على العالم وكشف أوكار الرجعية والاستبداد ولن يخفى على العيون ما تفعله فرنسا في أفريقية مهما خيل إليها أنها ستصل إلى غاياتها الظالمة في غفلة عن الرقباء، وأن تقلع عن خرافة سلخ أي جزء من المغرب ومن جسم العروبة لضمه إليها فإن ذلك لن يكون لها يوماً ما، لأنه ينافي طبيعة التكوين وحقائق السياسة العالمية الراهنة فيما مسيو ديهامل! إن كان عليك لوطنك واجب فعليك للإنسانية مثله والمفكر المخلص إنسان تملكه الإنسانية كما تملكه وثنية الوطن.
فإن كنت تريد أن تعيد مجد فرنسا لامعاً واسمها عالياً كما كان فسخر قلمك للدفاع عن الحقائق الإنسانية العليا الأبدية التي تحتل الحرية فيها مكان الصدارة واجعل فرنسا أم الحرية في زعمكم لا تنكس لواء الحرية ولا تمرغه في الوحل والدم في الجزائر ومراكش وتونس.
وإذا كانت فرنسا في حياتك - كما حاضرت المصريين - فاجعل حياتك هذه صوره مما ينشد فكرك الحر وأدبك الحار وقلبك العامر لا كما ينشد الفرنسيون الرجعيون الحاقدون والسماسرة والدجالون والجاهلون اللاعبون بالشعوب الذين لا يدركون سير الحياة بالأحياء ولا يعرفون منطق هذا العصر الذي يعيشون فيه بثياب المتحضرين وجلود الآدميين بينما قلوبهم هي قلوب القردة ووحوش الغاب. .