كتاب الله تبارك وتعالى فعمل بها، واتبع عمر آية أخرى فعمل بها، وهما آيتان محكمتان فيما ينال المسلمون من أموال المشركين، فيصير غنيمة أو فيئا. قال الله تبارك وتعالى:(واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) فهذه آية الغنيمة، وهي لأهلها دون الناس، وبها عمل النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الله عز وجل:(ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول. . .) فهذه آية الفئ، وبها عمل عمر، وإياها تأول حين ذكر الأموال وأصنافها، فقال:(فاستوعبت هذه الآية الناس) والى هذه الآية ذهب علي ومعاذ حين أشار عليه بما أشار فيما نرى، والله أعلم.
وكذلك قال سائر العلماء، من مفسرين ومحدثين وفقهاء، ولو ذهبت أروي أقوالهم في التزام عمر النص في هذا الموضوع وسواه وأنه لم يتركه ولم يعدل عنه إلى رأيه أو رأي غيره من الرجال وأن الصحابة كلهم كانوا على هذه الطريقة لم ينزع منهم نازع إلى مذهب التحسين والتقبيح العقليين، لأمللت السامع وثقلت عليه
وبعد، أفلا ترى يا سيدي بعد هذا وذاك، وأنت الملتمس للحق والداعي إليه، أن تتلافى ما كتبته في هذا الشأن بالتصحيح والتنبيه، لئلا يتابعه الناس كما تابعه صديقنا الأستاذ عبد المنعم خلاف؟
على أن الذي يعنيني من أمر عمر رضي الله عنه وتصحيح ما ينبغي تصحيحه من الرأي العارض فيه، ليس بأكبر مما يعنيني من تصحيح جملة القول الذي يتعلق بإباحة ترك النصوص القرآنية لآراء الرجال بدعوى مسوغات المصلحة العامة، لما يترتب على هذا من تعطيل الشريعة وإبطالها؛ فأية مصلحة عامة هذه يهتدي إلى تحديدها البشر ذوو المصالح المشتبكة المتعارضة والنوازع الضيقة الحرجة، ولا يهتدي إليها خالق البشر وهو المنزه عن تلك النقائص، الذي لا يريد لعباده إلا ما يضمن لهم مصالحهم على خير الوجوه؟ إن ما استحسنته من ذلك يا سيدي إنما يدخل في باب التحسين والتقبيح العقليين، وحقيقة ما أردته إنما هو ما يسمى المصلحة المرسلة بلسان الفقهاء والأصوليين، ولكنه اختلط هذا بذاك وجرى البحث إلى غير وجهته. فيا حبذا لو حررت الموضوع ثانية، وأقمت حدا فاصلا بين ما يسمى المصلحة المرسلة وهي شرعية، وبين ما يسمى التحسين والتقبيح