ومن جهة أخرى لا يخفي أن لكثير من الطيور وذوات الثدي وعلى الأخص القرود العليا، وكذلك الحشرات الاجتماعية كالنمل لغات صوتية أو اصطلاحية بسيطة يتفاهم بها أفرادها إلى حد ما. فإن لبعض الحيوانات إشارات طبيعية تعبر بها عن انفعالاتها النفسية. فالكلب مثلا يهز ذيله للترحيب بسيده ويتفوه ببعض أصوات خاصة لا يبديها إلا في مثل هذا الظرف، وهو يرخي ذيله إلى الأرض بين قدميه عند الخضوع والخشوع والخوف وهو والقطط وبعض الحيوانات الأخرى يكمشون آذانهم عند الخوف إذا هددوا مثلا بالضرب.
وللنمل طريقة للتفاهم أشبه بلغة الإشارات التلغرافية. فإذا تقابل اثنان منها من نوع واحد نراهما يتلامسان بزوائدهما الأمامية برهة ثم يسير كل منهما في طريقه. وإذا اكتشف أحدها شيئاً من الغذاء يسرع إلى استدعاء باقي أفراد جماعته، ومعلوم أنه ليس للنمل وسائر الحشرات قصبة هوائية ولا أوتار صوتية نظراً لأنه ليس لها رئتان بل إنها تتنفس من مسام عديدة على سطح جسمها ينفذ منها الهواء إلى داخل الجسم فلا يمكن والحالة هذه أن تحدث أي صوت تتفاهم به، ولا شك في أنها تتحدث مع بعضها بالإشارات بالطريقة المتقدم بيانها
وليست لغة الحيوانات قاصرة على الإشارات ولكن الكثير منها ينطق بأصوات للتعبير عما يجول في نفسيتها البسيطة من الانفعالات والمقاصد المحدودة. والذي يرقب القطط مثلا في المنازل يراها عند رؤية الطعام أو شم رائحته أو عندما تجوع تبدي نغمة خاصة. ولها عند نداء صغارها صوت آخر لا تنطق به إلا في هذه المناسبة فقط. وللإناث منها عند طلب الذكور صوت معروف أشبه بلفظه (داؤد).
والببغاء تنطق بكلام البشر بوضوح. وقد دلت المشاهدات والاختبارات على أنها تفهم في أغلب الأحيان مجمل ما تتفوه به مما تكون قد حفظته من باب التقليد في بادئ الأمر ثم تكرره وينتهي بها الأمر إلى أن لا تتفوه به بعد ذلك إلا في المناسبات التي تؤدي إليها معانيه، بل إنها كثيراً ترد على ما يوجهه إليها الإنسان بالألفاظ المناسبة مما يدل على أنها تدرك إلى حد ما معاني ما تسمع ومعاني ما تقول. ويتم لها ذلك بالتقليد والتلقين والتمرين كما يحدث للأطفال على وجه التقريب، ذلك لأن الأطفال يتعلمون بنفس هذه الطريقة: