أما تغريد الطيور فأمره معروف، وتمتاز به الذكور في بعض الأنواع لتغري الإناث حتى تكتسب إعجابها وتفوز بها. وتقيم أنواع أخرى منها اجتماعات على الأشجار أشبه بالحفلات الموسيقية يتبارى فيها الذكور في النطق بنغمات شجية مطربة لتخطب ود الإناث فتنتخب هذه أجملهم صوتا، كما أن أنواعاً أخرى يتباهى ذكورها أمام الإناث بريشهم الزاهي، ولهذا كان الذكور أجمل من الإناث لا في الطيور فقط ولكن في كثير من الفصائل والمراتب الحيوانية الأخرى نتيجة ذلك الانتخاب الجنسي الطبيعي طبقاً لنظرية داروين على أن أنصار نظرية لامارك في أسباب النشوء والتطور يضيفون إلى ذلك التفسير تفسيراً آخر يرجع إلى فعل العوامل الطبيعية الخارجية (البيئة والعوامل الجوية ونظام الحياة والعادة والاستعمال أو عدم الاستعمال الخ) والداخلية (العوامل الفسيولوجية والتفاعلات الكيميائية التي تحدث داخل الجسم وعلى الأخص فعل الهرمونات التي تفرزها الغدد الصماء أي الغدد ذات الإفراز الداخلي).
ومما يرجح نظرية لامارك على نظرية داروين في تفسير تلك الظاهرة ونعني بها تفوق الذكور على الإناث في جمال الصوت وزهاء الريش وغزارة الشعر وجمال اللون وهو ما يحدث في كثير من أنواع الأسماك حيث تكتسب الذكور في موسم التلقيح ألواناً زاهية يسمونها في علم الحيوان (حلة الزفاف) على حين أن تلك الأنواع لا تتزاوج ولا تلقح بعضها تلقيحاً فعلياً مباشراً بل إن الإناث تفرز بويضاتها رأساً في الماء ثم يأتي الذكر ويفرز مادته المنوية في الماء أيضاً فيحدث التلقيح بين ما يلتقي منهما بفعل الأمواج، وكل هذا دون أن يتصل الذكور بالإناث. فلا شك في أن الألوان الزاهية التي تطرأ على الذكور إنما هي نتيجة التفاعلات الكيميائية التي تحدثها في الجسم الإفرازات الداخلية للخصيتين عند نضوجها وهي التي تنبت مثل الشوارب وشعر الذقن في ذكور النوع الإنساني وتؤثر في صوتهم وتكسبهم صفات الرجولة، كما أن إفرازات المبيضين تكسب الفتيات عند البلوغ نعومة المرأة وصفات الأنوثة فيها.
نعود إلى النطق في الحيوانات فنقول إن للقرود عامة وعلى الأخص القرود العليا الشبيهة بالإنسان (الغورلا، والشانبازيه، والأورنانجوتان، والجيبون) لغة أو لغات حقيقية وإن كانت