كدير باطا، ويسمى هذا الدير أيضاً (دير الحمار) وقد كان بين الموصل وتكريت قال ياقوت: (. . . وله باب حجر يذكر النصارى أن هذا الباب يفتحه الواحد والاثنان، فإن تجاوزوا السبعة لم يقدروا على فتحه. .).
ولكن هذه الأسوار المرتفعة، والأبواب الحديدية القوية لم تكن لتحمي الرهبان والراهبات على كثرة عددهم من اللصوص والفتاك، فقد أصيبوا كثيراً بالنهب والقتل وهتك الحرم.
وقصه اللصوص في دير العذارى خير شاهد على ذلك، وخبر الحادث يرويه لنا الجاحظ في كتابه (المعلمين) وهذا الكتاب مفقود، لكن الخبر ينقله عنه البكري والبلاذري وياقوت والشابشتي والعمري. قال: حدثني ابن فرج الثعلبي أن فتياناً من بني ملاص من ثعلبة، أرادو القطع على مال يمر بهم قرب دير العذارى، فجاءهم من خبرهم أن السلطان قد علم بأمرهم، وأن الخيل قد أقبلت تريدهم، فاختفوا في دير العذارى. فلما حصلوا فيه، سمعوا أصوات حوافر الخيل التي تطلبهم وهي راجعه من الطلب فأمنوا. فقال بعضهم لبعض: ما الذي يمنعكم أن تأخذوا القس وتشدوه وثاقاً، ثم يخلوا كل واحد منكم بواحدة من هذه الأبكار، فإذا طلع الفجر تفرقنا في البلاد؟ وكنا جماعة بعدد الأبكار اللواتي كن في حسابنا أبكاراً. ففعلنا ما أجمعنا عليه، فوجدناهن كلهن ثيبات قد فرغ منهن القس.
وينظم أحد هؤلاء اللصوص قصتهم هذه مع الرواهب قائلاً:
ودير العذارى فضوح لهن ... وعند اللصوص حديث عجيب
خلونا بعشرين ديرية ... ونيل الرواهب شئ غريب
إذا هن يرهزن رهز الظراف ... وباب المدينة فج رحيب
واشتهرت قصة دير العذارى هذه حتى وردت في مواضع مختلفة في الشعر العربي.
وفي أحداث سنة ٤٤٩ هـ (١٠٥٧) يذكر صاحب مرآه الزمان: (فيها صعد عشرون رجلاً من الغز إلى دير للنصارى بميافارقين، فيه أربعمائة راهب، فذبحوا منهم مائة وعشرين واشترى الباقون نفوسهم بست مكاكي فضة وذهب).
فالأسوار المرتفعة والأبواب الحديدية التي كانت تحصن الأديرة لم تحافظ على الرهبان والرواهب، لذلك نجد أكثر هذه الأديرة متجمعة بالقرب من المدن الكبيرة، والعواصم المزدحمة، والأمصار المأهولة خوفاً من اللصوص وقطاع الطرق والفتاك.