في اللغات الحديثة إلى أصول بسيطة تحاكي أصواتاً طبيعية أو انفعالات نفسية أو آلاماً جسمانية أو تقلد فعلاً مادياً مألوفاً، ويطول بنا المقام لو أردنا استيعاب ذلك فنكتفي ببعض أمثلة عن أصول الألفاظ العربية نقتبسها من كتاب جورجي زيدان الذين نحن بصدده. فمن ذلك ألفاظ: قط وقطب وقطف وقطع وقطم وقطش وقطل، فإنها جميعها تتضمن معنى القطع والأصل المشترك بينها هو لفظة قط وهو حكاية صوت القطع كما لا يخفى - وباللغة الإنجليزية أيضاً (كت) - وبتطور اللغة وارتقاء المتكلمين بها في المدنية تنوعت مدلولاتها بإضافة لفظة ثانية إلى لفظة قط للتعبير عن مختلف معاني القطع وعلى ممر الزمن ضمرت اللفظة الثانية كما تضمر أعضاء الحيوانات والنباتات، وكادت تندثر ولم يبق منها الآن إلا حرف واحد اندمج في لفظة قط وصار وإياها كلمة واحدة بالطرق المقرر في علوم فقه اللغات.
ومن متنوعات (قط) لفظاً (قص) ومنها قصم وقصل وقصب وقصر وقصف وقص، وجميعها تفيد القطع وتحاكي بعض أصوات تنوعاته القطع بالمقص. ومن تحولات قص لفظة كس وهي محاكاة صوت الكسر ولا سيما كسر الخشب - وبالفرنسية أي كسر - ومنها كس وكسر وكسع وكسم. وتحولت (قص) لفظاً من ناحية أخر إلى (جز) ومنها جذه وجذب (بمعنى انقطع فيقال جذب الريق أي انقطع) وجذف وجذم وجميعها تتضمن معنى القطع أو تنوعاته ويجانس جذ جز وهو محاكاة صوت الشعر وتنوعت من جز وجزء وجزع وجزل وجزم. وإن تنوع معنى القطع يفوق المئات عدا فضلاً عن اشتقاقات كل لفظة منها اسماً وفعلاً ونعتاً وفاعلاً ومفعولاً ثلاثياً ورباعياً وخماسياً وغير ذلك مما تطورت إليه اللغة وتحولت من أصولها البسيطة الأولية. وكانت تدل في أول استعمالها على معانٍ حقيقية حسية ثم أطلقوها على معانٍ مجازة وكلها ترجع إلى أصل واحد وهو محاكاة صوت طبيعي وهو صوت القطع.
وهكذا الحالب بالنسبة لمعظم ألفاظ اللغة. فمن (هب) بمعنى ثار أو هاج فرع هب وهيج (أي ضرب ضرباً شديداً)، وهبذ أي أسرع في المشي وهبش بمعنى هيج المتقدمة، وهبص الرجل أي نشط أو عجل، وهبا الفرس أي فر. وهي جميعها تتضمن معنى (هب) وهي محاكاة صوت اللهيب إذا نفخه الإنسان أو نفخه الريح. ومن الألفاظ التي تدل على السرور