العظمى الأولى، فقد بقيت منطقة إنطاكية وخليج الإسكندرونة بعيدة عن ميادين القتال ولم تغمرها الحوادث ولذلك لم يشهر اسمها ولم يعلم الناس عنها إلا لما أثيرت مسألتها أمام عصبة الأمم وأخذت تتطور مشكلتها بين فرنسا وتركيا ثم أخيرا سوريا وتركيا.
ولهذه المنطقة تاريخ طويل في مدة هذه الحرب وما تلاها من الحوادث، سنعرضه ملخصا ما أمكن راجعين من النهاية إلى البداية:
حينما قامت الحركة التركية وحصلت حكومة أنقرة على الانتصارات الأولى على اليونان. أرسلت وفدا إلى باريس في يولية سنة ١٩٢١ أخذ يفاوض الفرنسيين في عدة مسائل، وفي ٢٥ أكتوبر سنة ١٩٢١ عقد اتفاق أنقرة الأول وفيه سلمت فرنسا بالحدود التركية التي تبدأ من بياس إلى ميدان اكبس ثم تستمر على شريط سكة حديد بغداد، وكان من ضمن ما اتفق عليه إقامة نظام إداري خاص بسنجق الإسكندرونة واعتبار اللغة التركية لغة رسمية فيه.
جاء هذا الاتفاق عقب حرب بين الفرنسيين والأتراك دامت من يناير ١٩٢٠ إلى ١٩٢١ قال عنها الفرنسيون في كتابهم عن تاريخ الشرق ما يأتي:(إنها حرب مقدسة وقومية اتسمت بالقسوة والعنف اللذين يتصف بهما أهل تلك البلاد وأنها وافقت زمن غليان الحركة الكمالية التي استنفرت الأناضوليين في وجه مشروع يشعر بتفكيك الوطن التركي).
ويتعجب صديقنا الأستاذ أدموند رباط في كتابه بالفرنسية عن الوحدة السورية ويتساءل (كيف سلم الفرنسيون بعد معاركهم الطاحنة في كيليكية وخسائرهم فيها بهذه الحدود؟ ويقول إن في ذلك سرا سيبقى أمام مؤرخي المستقبل من المعميات التي يجدون الصعاب لفهمها).
أما نحن فلا نعجب وقد عرفنا النزاع والتنافس بين بريطانيا وفرنسا، وإنما نتساءل ونقول للكاتب الفرنسي الذي ذكرنا نظريته في المقالة الأولى: من كان يمثل دور الإمبراطورية الرومانية في عام ١٩٢١. بريطانيا أم فرنسا؟
إن مثل هذه الأمور تأخذ وقتا طويلا لكي تكتشف تفاصيلها وما يلابسها من المعميات. وقد يطرأ حادث طفيف يتمثل في طلب احتلال الإسكندرونة وخليجها فينتج عنه أكبر الأمور وبعيد إلى ذكريات السياسيين مسائل ومشاكل بقيت لمدة طويلة طي الكتمان.
وهذا ما حدث في عام ١٩١٨ ففي أكتوبر سلمت الدولة العثمانية وأمضت هدنة مدروس، وكانت الجيوش التركية تحتل منطقة إنطاكية وتشرف على خليج الإسكندرونة وبقيت في