وسوف نبدأ من الناحية التركية ثم ننتقل إلى وجهة النظر البريطانية: ففي سنة ١٩١٦ تألقت مجموعة من الفرق أطلق عليها اسم مجموعة الصاعقة (ييلدريم) وكانت حلب مركزاً لها وتولى قيادتها الماريشال فون فالكنهاين ومعه نخبة من رجال الجيش والبحريةوالطيران، ومن الاطلاع على التاريخ الرسمي الذي نشرته وزارة الحربية التركية في نشراتها عن تاريخ الحرب؛ يتبين أن القصد من تأليف هذه القوة هو السيطرة على ميادين القتال في فلسطين والعراق ثم حماية منطقة إنطاكية وخليج الإسكندرونة ضد أي هجوم يشنه الحلفاء ويكون القصد منه قطع المواصلات العسكرية وعمليات تموين الجيوش في أهم نقطة حساسة في أراضي الإمبراطورية العثمانية.
ويؤكد هذا ما كتبه هندنرج:(لو وفق الإنجليز إلى إنزال جنودهم في خليج الإسكندرونة لفقدت تركيا الحرب نهائياً أو اضطرت إلى الاحتماء في جبال طوروس)، وكان قد شبه في مذكراته هذه المنطقة بالشريان الحيوي لتموين الجيوش التي تقاتل في العراق وسوريا وفلسطين وقال:(إن مدافع السواحل لم يكن لها وجود).
وأشار إلى ما قاله أنور باشا (من أن أمله الوحيد هو ألا يلمس العدو حالة الضعف التي عليها خليج الإسكندرونة).
ولذلك ختم حديثه بقوله (إن قيام الدولة العثمانية أو استمرار الحرب كان مرتبطا بمصير هذه البقعة، وإن الضربات التي لقيتها بسقوط بغداد وتحطيم جبهة فلسطين جعل تجمع جيوش الصاعقة ضرورياً، وألزم منه إسناد قيادة هذه المجموعة إلى قائد ألماني معروف وهذا ما جعله يوافق على هذا التعيين). ومن اطلاعك على ذلك يتضح ما مر بمخيلة مصطفى كمال حينما تمسك بشروط الهدنة ولمس في الإخلال بها رغبة جديدة لاتخاذ سياسة أشد عداء لبلاده، وقد كان محقاً في ذلك لأن نيات البريطانيين من ناحية خليج الإسكندرونة لم تكن خافية طول مدة الحرب كما قلنا؛ فقد ذكرت المؤلفات الرسمية لوزارة الحربية البريطانية عن تاريخ الحب العظمى ما دار من نقاش بين اللورد كتشنر والجنرال مكسويل في نوفمبر سنة ١٩١٤ بخصوص إنزال حملة بريطانية على خليج الإسكندرونة وتوجيه ضربة قاصمة إلى منطقة إنطاكية ونهاية الخطوط الحديدية في جبال طوروس