وأكرمتهم كثيراً، لأن سولفا بينهم، لا لأنهم قادة، ولا لأنهم من الروم. وهؤلاء أعجبوا بها وبحنكتها وأخلاقها كثيراً، وأول من أعجب بها سولفا. وبعد حينٍ أقبلت زينب فارسة كمياً، فزغردت النساء، وهزجت الأطفال، وغردت طيور الأماني. وما انتهت إلى قصرها حتى سرّحت الأسرى، فأعظم الناس كرم خلقها، وهتف العرب والروم وكثير من الفرس: مرحى زينب الزباء! مرحى ملكة العرب!
لم تقنع زينب باستقلالها التام، بل أرسلت جيشاً فغزا ساحل البحر الأبيض الآسيوي كله، وأعدت جيشاً آخر لغزو النيل، وفتح مصر، فجعلت تدمر ملكية عظيمة يخشى بأسها القياصرة والأكاسرة. وملك الفرس الجديد (بهزاد) عقد معها معاهدة ليجعل منها ملاذاً وحمىً، وخطب مياً من زينب، فأقبلت هذه على ابنتها، وقالت بشراك يخطبك بهزاد ملك الفرس، فاعترفت لها مي بحبها سولفا وغرامها به. ولكن زينب تريد أن تزوجها ببهزاد لتأمن شره، فقد يكون له شر. فدعت سولفا إليها وقالت. أهكذا أيها الأمير تسيء إلى من أحسن إليك؟ قال ما كان لي ذلك أيتها المليكة المعظمة! قالت نمي إليّ أنك جاسوس لقائدك (أورل). قال اسمحي لي أيتها المليكة أن أقول لك، إن مثلي أرفع من أن يكون جاسوساً. إني لا أخفي أني صديق (أورل)، وصديق ملكي، وصديق الروم كلهم، كما أني أعترف أني صديق مخلص إليك، وإلى ابنتك. فوجمت زينب وقالت أيها الأمير! لقد وجدتك قائداً شجاعاً، ووطنياً مخلصاً، وصديقاً لي أميناً. وسأجعلك القائد الثاني للجيش الذي سأسيّره إلى مصر، فحارب وعد إليّ ظافراً منتصراً. فقال سأكون إياه، وكان إياه.
إلا أن مياً خافت أن يُقتل في هذه الحرب. وعلمت أن أمها لم ترسله إلا لتنجو منه.
وبعد شهور أقبل فارس يقول. إن الجيش العربي قد انتصر، وعاد إلى المعسكر غانماً، غير أن أمراً أحزن الجيش كله، هو أن الأمير سولفا الذي ناضل كثيراً، وكان سبب النصر والفوز الأكبر، اختفى بغتة.
ما وصل الخبر إلى مي حتى صاحت قائلة: آه إنها حيلة مدبرة! إن سولفا قد قتل. ثم انزوت في حجرتها، وأنشأت تبكي وتنتحب. ولبثت على حالها أياماً، لا تأكل ولا تتكلم، حتى وهنت ووقعت في سرير المرض. فعالجها الطبيب فشفيت، إلا أن وجهها الناضر الزاهي أضحى شاحباً حائلاً، لا رونق فيه ولا حياة.