أقبل رسول بعد ذلك يقول إن الأمير سولفا حي، وهو يحارب المصريين بعيداً عن المعسكر. فطار لب مي فرحاً، وكادت تهوي على يدي الرسول تلثمهما شكراً، لكنها خلعت عليه خلعة، ووصلته بالمال والحلي.
عاد القائد العربي (زبدا) بعد أيام يرافقه الأمير سولفا فاستأذنا على زينب، ومثلا بين يديها فقال (زبدا) أيتها الملكة المعظمة، إن الأمير سولفا بطل يجب أن يفتخر بمثله، فهو هو الذي هزم المصريين، وجعل العلم العربي يخفق على ربوع النيل.
ما زال الروم يسألون زينب أن تعترف بسلطانهم عليها، وأن تدفع لهم جزية الانتداب، وما زالت زينب على شممها وإبائها، لا تعترف لهم بشيء. وأرسل إليها أورل ذات مرة يقول، تعترفين بسلطاننا عليك، وتدفعين الجزية، أو أحاربك وأخلعك، وأصلبك، وأسبي ابنتك، وأتوّج على سريرك زيد بن المعنيّ. فثارت زينب ثورتها، وغضبت غضبتها، وجمعت المجلس. وقالت إلى الحرب أيها الأبطال، إلى الانتقام أيها الرجال! إن تدمر العربية لا تستكين أبداً لتطاول الروم أو البربر. . .
وهكذا اضطرمت الحرب، ورحل الروم المقيمون في تدمر إلى وطنهم، بينهم الأمير سولفا. ولاقت زينب جيش الروم ورأت أن زيد بن المعني تحت لوائهم، فقالت الويل له من عاقبة كعاقبة أبيه، وحاربت وناضلت كثيراً، وشجعت القادة، وتقدمتهم إلى الموت.
غلب الروم، وانهزم جمعهم، فتبعتهم زينب تريد التنكيل بهم والقضاء عليهم، فما أحست إلا وفرسان جيشها في مستنقعات (العُوَيق) يغالبون الموت والموت يغالبهم، وما أحست إلا والروم قد طوق المشاة من جيشها، وأعمل فيهم السيوف، فجزعت كثيراً، وخطبت في سائر جنودها الخطب الحماسية، فما أفادت، وما زالت عددها تنفد، وعددها يقل حتى أوشكت على الهلاك فاستنجدت ملك الفرس قال مي ابنتك وأعنيك. فما رأت بداً من التراجع فتراجعت ودخلت تدمر محزونة مكتئبة، وأغلقت الأسوار.
بينما كانت زينب تحارب الروم جوار (إنطاكية) كانت مي ابنتها ترسل إليها العدد، وتدير أمر المملكة، وأقبل عليها ذات يوم رسول وقال لقد وجدنا الأمير سولفا يا سيدتي قتيلاً في سهول حماه. فقالت في نفسها إذن أهلك معه. وأمرت خادماً لها أن يأتيها بثعبان تتعلم إمساكه. ففعل. فخلت الثعبان وقربت الناب القاتل من الثدي الزاهي وهتفت قائلة: نفسي