وكانت اللحظات التي قضاها وهو يتأمل هذا الوجه السماوي الجميل من أسعد لحظات عمره. . . إن هذا الجمال من نوع نبيل يوحي بالعبادة أكثر مما يوحي بالحب: عيناها عسليتان يشعان وداعة وطهراً، وبشرتها خمرية يعلوا تاج كثيف من الشعر الفاحم، وكانت نحيفة وهو يكره الجسم المكتنز الذي يوحي دائماً بالرغبات كما إنها أطول من رأى من فتيات القرية!!!
ثم ابتسم وهو يقول لنفس:(ألأنها جميلة تهتم بها أكثر من بقية المرضى؟؟ قد تكون الدميمة المشوهة الخلقة أكثر احتياجاً إلى العطف والرعاية)، ولكنه هرب من الإجابة عن سؤاله، وأشعل سيجاراً وأخذ يغني بصوت خافت، وود أو أمكنه أن يرقص أيضاً.
وعندما بارحته عزيزة لم يأمل أن يرها مرة ثانية، فقد مضى عليه في هذا المستشفى نصف عالم لم تحضر خلاله إلا هذه المرة، كما أن ملابسها وأناقتها - بالنسبة للقرويات - تدل على أنها تنتسب إلى الطبقة الموسرة التي لا تستسيغ التردد على أماكن العلاج العامة. . .
ولكنها عادت في الأسبوع التالي، وكانت هذه المرة أكثر اعتناء بهندامها وشعرها. وتردد كثيراً قبل أن تتقدم نحوه. أما هو فكان يرقب خجلها وترددها في سرور.
وأخيراً جمعت شجاعتها وذهبت إليه. . . ولا حظ وهو يحدثها أن أسنانها أكثر بياضاً مما كانت عندما رآها في الأسبوع الماضي وأخذ يلقي عليها عشرات الأسئلة حتى تطول وقفتها أمامه وأحس وهو يحدثها أن الثلوج التي ظلت تكتنف قلبه منذ كارثته الأولى بدأت تذوب وتفسح له مجال الحياة مرة أخرى.
كان يكلمها وفي عينيه وجرس صوته أطياف من الشوق والحنان ود لو تجسمت شخصاً حياً يطوقها ويغمرها القبل.
ولم تلمح هي في عينيه ذلك الظمأ الخشن الذي ألفت أن تراه في عيون الرجال، إن عيناه تشعان وداعة وسلاماً.
ثم فحصها مرةً أخرى، وأعطاها دواء جديداً وانصرفت.
واطمأنت إليه، وبدأت تألفه، واعتادت التردد على المستشفى مرة كل أسبوع على الأقل، وكانت تتلمس مختلف المعاذير للذهاب إلى المستشفى مرة كل أسبوع على الأقل، وكانت