تتلمس مختلف المعاذير للذهاب إلى المستشفى، وكان هو ينتظر حضورها في نوع من القلق، ورغب في أن يتعرف بأبيها فلم تعيه الحيل، ووثق صلاته به وغمره بكل عطفه، الأمر الذي أثار دهشة الرجل، وجعله يتساءل عما يرمي إليه الطبيب من وراء كل هذا الاحتفاء!
وأحس (فؤاد) أن جراحه القديمة تبرأ بسرعة. . إنه سعيد بهذه الطفلة البريئة الساذجة! إنه لا يطلب أكثر من أن يراها لترد إليه من جديد إيمانه بالحياة، وتزيح عن قلبه الظلام المتراكم، لقد غمرها بكل ما في قلبه الأبيض من حنان. . . ذلك الحنان الذي كان يعذبه لعدم عثوره على من يغدقه عليه! ولا شك أن هذه القروية الساذجة، الطاهرة القلب أجدر الناس به. . .
وعندما يمنح الطبيب قلبه للمريض تلهم العناية الإلهية يده وتحدث المعجزات. . . وكانت عزيزة تبدو أكثر نضرة وشباباً في كل مرة تذهب فيها إلى المستشفى. وكان هو يتأمل احمرار خديها في فرح وهي تتقدم نحوه والخجل يكاد يقيد قدميها بالأرض آه. . . لو كان شاعراً لنظم أروع قصائده في هذه اللحظة التي يراها فيها وهي مقبلة عليه في خطواته الموسيقية الهادئة. . .
واستولت الريفية الفاتنة على لب الطبيب الذي نزح من المدينة ناشداً السلوى والعزاء. . . وأصبح خيالها يراوده في اليقظة والمنام. . . فعندما كان يقرأ، أو يفكر، أو يتأمل الطبيعة والدنيا والناس فينبض قلبه بمختلف العواطف، وتنتشي نفسه بأجمل الاحساسات، كان يفكر فيها ويتخيلها جالسة إلى جانبه تشاركه عواطفه واحساساته ويحدق في وجهها فيرى بريق الذكاء في عينيها والبسمة الحلوة تضيء قسماتها معبرة عن الفهم والفرح.
ولكن لا تلبث أن تظلل محباه سحابة من الأسى. إنه يسرف في الخيال: وهي لا تستطيع كل هذا: إنها الغريرة الساذجة التي تنطبق حدود الدنيا في ذهنها على حدود القرية. . .
ثم يعود يسأل نفسه لم يعكر صفو سعادته بمثل هذه الأفكار؟ إنه سعيد، فرح، يعيش في دنيا جديدة من خلق عينيها. إن الغيوم الداكنة المتراكمة في سماء روحه تتبدد تحت أشعة بسماتها الصافية، ونظراتها الحلوة وتطرد من رأسه كل الأفكار السوداء التي قضى أشهراً وهو يجهد في إقناع نفسه بها، وتعلمه من جديد نفاسة الحياة وجمالها، وعاد يأنس الناس