ويتبسط معهم ويجد في حديثهم الساذج التافه كثيراً من الغبطة والسرور.
وسارت الأيام في طريقها والعلاقة بينهما قوة وعمقاً، كان هو يتفانى في خدمتها ويبدي لها من دلائل الوداد والحنان ما يجعلها تحس بأنها أسعد أنثى في الوجود، لقد اعترفت له وعيناها تتألقان بشراً وحبوراً أن يوم حضورها إلى المستشفى هو (يوم العيد) عندها. . .، وتبادلا كثيراً من التذكارات، وطلب منها مرة أن تهديه صورتها فاعترفت له في كثير من الخجل أنها لم تقف مرة واحدة طول حياتها أمام آلة التصوير، فصورها بنفسه عدة صور. . . وكان يصله من العاصمة بين حين وآخر ما لا يتيسر وجوده في الريف من الحلوى والفاكهة؛ فلا يطيب له تناول شيء منها إلا إذا أهداها بعضها فينتهز فرصة وجود أبيها معه ويعطيه من كل ما كان يرد إليه.
وآمنت هي بطيبة قلبه وإخلاصه ولم تعد تخجل منه أو تتهيبه بل كانت تجد سعادتها في أن تعترف له بكل ما في قلبها. . .
وكان يلاحظ أحياناً على وجهها آثار الحزن والألم فيسألها عن سبب أشجانها، ويلمح الدموع تجول في عينيها وهي تعترف له بأنها كثيراً ما توصد على نفسها باب غرفتها، وتظل تبكي وتكبي دون أن تدرك لذلك سبباً.
وأدرك هو أن قلبها يعذبها، خاصة عندما سألته في صوت يقطر توسلاً وضراعة لماذا يعيش وحيداً؟ لماذا لا يحضر أمه أو إحدى أخواته لتؤنسه وتسهر على راحته؟؟ وابتسم، وعرف إنها لم تعد تقنع بهذه اللحظات العابرة التي تقضيها معه.
وابتدأ يحاسب نفسه ويسألها عن النتيجة!
لقد نبه في قلبها الشوق؛ وأشعل فيه الحرب، وها هو الحب يجلب معه الشجون والأفكار.
لقد فتنته جمالها وطيبة قلبها فهل يربط مصيرها بمصيره؟ ظل وقتاً طويلاً حائراً معذباً بين فكره وقلبه وقضى ليالي برمتها لا يذوق جفنه النوم وهو يفكر كيف تكون حياتها معه لو. . . تزوجها؟
ولكنه اقتنع أخيراً أن بينهما من الفروق ما يجعل الحياة الدائمة معها مستحيلة، إنها القروية الساذجة التي لم تتلق من العلم شيئاً وقد تهلك عندما ينزعها من تربتها ليزرعها في تربة أخرى!. . . إن نواحي كثيرة فيه ستبقى مجهولة منها. . . مستغلقة عليها وسيشقى كثيراً