للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في طريق الحياة المجهد وهي إلى جانبه لا تدري بشقائه وبواعثه، وسيسعد كثيراً في دنيا الفكر والفن والطبيعة وهي إلى جواره لا تستطيع أن ترد ذلك المنهل العذب وتتيح لنفسها تلك المتع الرفيعة التي لا تمتلك الحياة نفسها أن تمنح أسمى أو أجمل منها. . .

ولم يخفف قراره هذا من لوعته وألمه: إن سيحطم بيديه القلب الذي بدد وحشته، وأنساه آلامه وهز أوتار قلبه هزات رائعة وسيعود يوماً ما إلى برد الوحدة من جديد ولا يجد إنساناً وحداً يستطيع أن يفرح ويحزن معه. . .

وظل حائراً معذباً ولكن ماذا يفعل؟ لقد أحبها أكثر من أي أثنى رآها في حياته ولكنها ليست له، هذه الجوهرة النفيسة ما زالت (خاماً) وفي حاجة إلى كثير من الصقل والتهذيب، لقد غمرها بحنانه لأنها الزهرة الوحيدة في تربة لا تنبت إلى الحشائش وكان سعيداً بها لأنه يراها لحظات كل أسبوع ولكن الحياة الدائمة بينهما قد تكون مثال التعاسة والشقاء. . .

كانت كل هذه لأفكار تصطرع في رأسه وهي تزداد حباً له وتفانياً فيه، وهو لا يجرؤ على أن يبوح لها بمكنون ضميره، وأهل القرية يتهامسون بأن طبيبهم سيتزوج من عزيزة. . .

وظل هكذا موزع القلب بين حبه لها وإشفاقه عليها من عاقبة هذا الحب حتى صدر قرار بنقله إلى بلدة أخرى، وللمرة الثانية تلقى الخبر في فتور حزين مؤمناً أن للقدر أحكامه وسخرياته.

وسمعت هي نبأ نقله فجاءته والدموع تجول في عينيها وسألته في لهفة عن حقيقة الأمر، وعما إذا كان سيعود أم لا؟؟

وللمرة الأولى منذ حل هذه البلدة وجد الدموع تنحدر على خديه وقال لها: (الله يفعل ما يشاء يا عزيزة، من يدري ماذا سيحدث غداً؟).

وأحس من نظراتها القلقة الحادة أن إجابته لم تعد إليها طمأنينتها، ولكنه لم يجد ما يقوله. وبعد أن قضت معه فترة انصرفت وهي تتعثر في خطواتها. . .

شعر بقلبه يمتلئ سخطاً على نفسه وندماً! ليته ما عرفها، إن سيذهب ولا يخلف لها إلا الحسرة والألم والدموع. . . ولكن هل كان يستطيع أن يحول بين قلبه وبين الهيام بها والافتتان بجمالها الرقيق وروحها العذب؟ وهل في طبيعة الأشياء أن يقف المرء في طريق قلبه ويخنق عاطفته التي تفيض طهراً وسمواً، وتغدق على حياته، وحياتها هي، أنبل

<<  <  ج:
ص:  >  >>