الشخصية لجميع السكان يضم إلى القانون المدني تطبقه على الجميع محاكمنا الوطنية. وأعتقد أن قضاتنا أوفر علما وأكفأ من أعضاء تلك المجالس وأبعد عن الهوى والتحيز وسوء التصرف. وها هو القانون المدني في تركيا وفي جميع البلاد الغربية والأمريكية وفي اليابان يشتمل من جهة على الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية كالزواج والطلاق والبنوة والولاية على عديمي الأهلية الخ كما يشتمل من جهة أخرى - في الجزء الثاني منه - على الأحوال الخاصة بالمال كالملكية والالتزامات والعقود وغيرها.
ولا مانع من إنشاء نظام انتقال يقوم في فترة من الزمن ثم يلغي، تشكل فيه مثلا دوائر أحوال شخصية بالمحاكم الوطنية، دائرة لكل ملة، يجلس فيها مع القاضي الوطني الرئيس (عضو ملة) من أبناء الطائفة كما هو حاصل الآن في المجالس الحسبية ويسن لهذه الفترة تشريع وقتي للمسلمين، وآخر لجميع الطوائف غير المسلمة تقرب فيه أوجه الخلاف بين التشريعين، فيقيد مثلا حق الطلاق وحق تعدد الزوجات في التشريع الأول وتوسع هذه المسائل قليلا في التشريع الثاني إلى أن يلتقيا مستقبلا في التشريع الموحد الأمثل المنشود.
ولنذكر الخطوة الجريئة التي خطتها الحكومة المصرية الوطنية قبل الاحتلال المشؤوم حين سنت القانون المدني وقانون العقوبات العصريين العظيمين، واستعاضت بهما عن الأحكام القديمة، فلم يرتفع في ذلك الحين إلا احتجاجات خافتة من بعض العناصر الرجعية الجاهلة، لم تلبث أن سكتت لأن أولي الأمر يومئذ لم يعيروها أدنى اهتمام وذهبوا في طريق الإصلاح الاجتماعي العظيم الذي بدءوا فيه حتى رفعوا مصر إلى مصاف الدول المتمدنة الراقية، واستطاع المصلح العصري الكبير الخديو إسماعيل أن يقول كلمته المشهورة وهي (إن بلادي ليست من أفريقيا ولكنها جزء من أوربا). وكان هذا بفضل النهضة العلمية التي ألقى بذورها العلماء الفرنسيون الذين حضروا إلى مصر في عهد بونابرت (نابليون) ثم أخرجها إلى حيز الفعل ونشرها المصلح الأول في مصر الحديثة وهو محمد علي الكبير وخلفاؤه من بعده حتى عمت جميع النواحي من التعليم - العصري الصحيح - إلى الصناعة والتجارة، إلى الفنون العسكرية والصناعات الحربية. واستمر ذلك العهد السعيد يرتقي ويزدهر إلى أن جاء الاحتلال اللعين فقضى على كل شيء صالح في هذا البلد المسكين، حارب التعليم وقتل الروح العلمية العصرية وجنى على العقول وأفسد الأخلاق