ومن الغريب أن يزعم بعض رجال الطوائف في مصر أن الزواج عندهم عقد ديني محض يجب أن لا يمسه أحد. وإني لا أدري إلى أي نصوص في كتبهم الدينية يستندون وهي خالية من وضع أحكام لمسائل الزواج وغيره من الأحوال الشخصية، ولم يكن الدين المسيحي دين عقائد وتشريع كبعض الأديان الأخرى وإنما هو دين عقائد فقط. ولو رجع هؤلاء المعترضون على الإصلاحات العصرية المرجوة إلى تاريخ منشأ الأنظمة الاجتماعية وتطورها لا تضح لهم أن الزواج ليس له أي مصدر ديني إطلاقاً بل إنه كان - على العكس - في بادئ الأمر في كثير من الجمعيات الإنسانية نظاماً مكروها. فكان في عدد كبير من الشعوب القديمة قاصراً على الأرقاء من النساء يستحوذ عليهن الرجال ويملكوهن ولهم عليهن حق الحياة والموت، ولكن كانت المعاشرة تؤدي في كثير من الأحوال إلى شيء من الألفة والعواطف الطيبة خصوصاً إذا كانت المرأة على جانب من الإخلاص ووداعة الأخلاق، وعلى الأخص إذا أبحت نسلاً فيحسن سيدها معاملتها وقد يدوم ارتباطهما طيلة الحياة. ولما تراءى ذلك للأحرار من النساء الفقيرات قبلت الكثيرات منهن أن يستسلمن للرجال على ذلك الوجه لتضمن القوت والمأوى ثم أخذت هذه الحالة تتدرج إلى أن عمت معظم النساء، وعندئذ تدخل المشرعون ونظموا هذه العلاقة بين الرجل والمرأة - علاقة المعاشرة المستمرة التي سُميت بالزواج، وهي قائمة إلى حد ما في بعض أنواع الطيور وبعض أنواع ذوات الثدي العليا وعلى الأخص القرود الشبيهة بالإنسان (الغورلا، والشامبنزه، والأورنجوتان والجيوبون) وتقتصر ذكر بعض هذه الأنواع على زوجة واحدة. ونذكر مثلا أن من بين طرق الزواج في القانون الروماني القديم (التقادم) فمن عاشر امرأة مدة عام كامل دون أن ينقطع عنها ليلة واحدة تصبح زوجته من تلقاء نفسهما بحكم القانون بلا حاجة إلى أي إجراء آخر، كما هو الحال في الملكية وباقي الحقوق العينية تُكسب بالتقادم أي بوضع اليد المدة الطويلة المقررة في القانون.
ومن هذا كله يتضح أن الأديان ليست مصدر الزواج وإنما هو نظام اجتماعي محض نشأ في النوع الإنساني وفي بعض أنواع الطيور والحيوانات العليا بفعل العوامل الطبيعية البحت.