وأما هذه التكريم الثاني فقد قام به الاتحاد العربي في داره بالقاهرة هذا الأسبوع في حفل جامع حضره كثيرون من أعلام الأدب وأقطاب العرب، وقد افتتح الاحتفال صاحب السعادة محمد علي علوبة باشا رئيس الاتحاد بخطبة قيمة ضافية استهلها بقوله:(لنا الفخر أن نكون شرقيين منبع المدنية والآداب والعلوم التي اهتدي العالم بهديها، وسار في ضوئها. منا البابليون والآشوريون والفينيقيون والفراعنة، وفينا ظهر الأنبياء عيسى وموسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين، ولنا لغات راقية ممتازة في مقدمتها اللغة العربية الشريفة التي نهضت بأعباء المدنية نحو العالم قروناً طويلة والتي يستطيع الإنسان أن يعبر بها عن كل احساساته ومطالبه بما لا يجده في لغة أخرى).
وفي هذا المنحى من الحديث أفاض علوبة باشا في الإشادة بمجد الشرق عامة والإسلام خاصة، ثم انتهى في الحديث إلى الضعف الذي انتاب الشرق في العصور المظلمة وما كان بعد ذلك من مصارعة بين الشرق والغرب في ميدان الحياة فقال:(ابتلينا بالغرب، فهدم مدنيتنا، وأضاع حريتنا، وقتل شخصيتنا، وفي هذا الظلام الخانق تأخرت اللغة العربية، وندر الشادون بها من فحول الأدباء والشعراء، ولكن بين الحين والحين كانت تظهر في تلك التربة الخصبة حبات صغيرة تحاول استرداد مجد اللغة، ومن هذه الحبات حبة نبتت في جبل لبنان الأشم ثم أراد الله لها أن تنمو وتفرع وتثمر في وادي النيل حتى صارت دوحة عظيمة، وليست هذه الدوحة إلا شاعر العروبة الكبير الأستاذ خليل مطران بك).
وتحدث علوبة باشا عن مطران الرجل، وشاعريته العبقرية الفياضة، وما له من آثار جليلة في خدمة العربية والتراث الأدبي، وأهاب بالشاعر الكبير أن يتوجه بشاعريته إلى إيقاظ المشاعر بالإشادة بمجد الشرق العريق وتذكير الأبناء بما كان للآباء من تراث عظيم.
وتعاقب الشعراء والخطباء بعد ذلك، فأنشد شبلي ملاط بك جملة من القصائد والمقطوعات القديمة والحديثة، وألقى الأستاذ حسين السيد زجلا رقيقاً والأستاذ موريس أرقش خطبة بليغة وأنشد بعض قصائد مطران الخالدة، ثم ألقى الأستاذ جميل الرافعي بعض الكلمات التي قيلت في تكريم مطران في عدة مناسبات، وكان هذا ختام الحفل لتكريم الشاعر الكبير.
وبعد، فليس هذا كله بكثير على خليل مطران بل إنه بعض الدين الذي في عنق أبناء