حياتها، مصرفة بهذه الأسباب، خاضعة لما يصرفها؛ ويذهب الدين وينزل في مكانه الشيطان؛ ويزول الاستقرار ويحل في محله الاضطراب؛ وتنطفئ الأشعة التي كانت تذيب الغيوم وتمنعها أن تتراكم، فإذا الغيوم ملتف بعضها على بعض؛ وتخذل القوة السامية التي كانت تنصر المرأة على ضعفها فتنصرها بذلك على أقوى الرجال، فإذا المرأة من الضعف إلى تهافت، تغلبها الكلمة الرقيقة، وتغترها الحيلة الواهنة، وتوافق انخداعها كل رغبة مزينة، ويستذلها طمعها قبل أن يستذلها الطامع فيها. ولتكن بعد ذلك من هي كائنة أصلا وحسبا وتهذيبا وعقلا وأدبا وعلما وفلسفة، فلو إنها امرأةمن (الإسمنت المسلح) لتفتتت بالطبيعة التي في داخلها، ما دامت الطبيعة متوجهة إلى الهدم بعد ان فقدت ما كان يمسكها أن تهدم وان تنهدم.
لقد رق الدين في نسائنا ورجالنا. فهل كانت علامة ذلك إلا أن كلمة (حرام، وحلال) قد تحولت عند أكثرهم وأكثرهن إلى (لائق، وغير لائق) ثم نزلت عند كثير من الشبان والفتيات إلى (معاقب عليه قانوناً، ومباح قانوناً. . .) ثم انحطت آخراً عند السواد والدهماء إلى (ممكن، وغير ممكن. . .).
قالت الياقوتة، أعني الراقصة:
- أخذت أبي من عهد الطفولة بالصلاة، واثبت في نفسي ان الصلاة لا تصح بالأعضاء ان لم يكن الفكر نفسه طاهرا يصلي لله مع الجسم، فان كانت الصلاة بالجسم وحده لم يزدد المرء من روح الصلاة إلا بعدا. وقر هذا في نفسي وأعتدته، إذ كنت أتعبد على مذهب الأمام الشافعي (رض)، فأصحح الفكر، واستحضر النية في قلبي، وانحصر بكلي في هذا الجزء الطاهر قبل أن أقول:(الله اكبر)؛ وبذلك أصبح فكري قادراً على أن يخلع الدنيا متى شاء ويلبسها، وان يخرج منها ثم يعود إليها؛ ونشأت فيه القوة المصممة التي تجعله قادرا على أن يتصرف بي عما يفسد روح الصلاة في نفسي، وهي سر الدين وعماده.
ويا لها حكمة أن فرض الله علينا هذه الصلوات بين ساعات وساعات، لتبقى الروح أبداً إما متصلة أو مهيأ لتتصل. ولن يعجز اضعف الناس مع روح الدين أن يملك نفسه بضع ساعات، متى هو اقر اليقين في نفسه، انه متوجه بعدها إلى ربه، فخاف أن يقف بين يديه مخطئا أو إثماً؛ ثم هو إذا ملك نفسه إلى هذه الفريضة ذكر أن بعدها الفريضة الأخرى،