وإنها بضع ساعات كذلك، فلا يزال من عزيمة النفس وطهارتها في عمر على صيغة واحدة لا يتبدل ولا يتغير، كأنه بجملته - مهما طال - عمل بضع ساعات. قالت الياقوتة: ورأيت أبي يصلي، وكذلك رأيت امي، فلا تكاد تلم بي فكرة آثمة إلا انتصابا أمامي فاكره أن استلئم إليها فأكون الفاسدة وهما الصالحان، واللئيمة وهما الكريمان؛ فدمي نفسه ببركة الدين يحرسني كما ترى.
قلت: فهذا الرقص. . .؟
قالت: نعم، انه قضى علي أن أكون راقصة، وان التمس العيش من اسهل ثلاث طرق، والينها وأبعدها عن الفساد، وان كان الفساد ظاهرها. أريد: الرقص، أو الخدمة في بيت، أو العمل في السوق. وأنا مطيقة لحريتي في الأولى، ولكني لن املكها في الأخيرتين ما دام علي هذا الميسم من الحسن؛ وكم من امرأةمتحجبة وهي عارية الروح، وكم من سافرة وروحها متحجبة. ان كنت لا تعلم هذا فاعلمه، وليس السؤال ما سالت، بل يجب ان يكون وضعه هكذا: هل ما ترى هو في ثيابي فقط، أو هو في ثيابي ونفسي؟
ها أنت ذا تغلغل نظرتك في عيني إلى المعاني البعيدة، فهل ترى عيني راقصة؟
قلت: لا والله، ما ارى عيني راقصة، ولكن عيني مجاهد في سبيل الله. . .! فاستضحكت وقالت: بل قل: عيني مجاهد يهزم كل يوم شيطانا أو شياطين.
إني لأرقص وأغني، ولكن أتدري ما الذي يحرزني من العاقبة، ويحميني من وباء هذا الجمهور المريض النفس؟ فاعلم أني لا اشعر بالجمهور، ولا بروح المسرح، إلا كما اشعر بروح المقبرة والمشيعين إليها؛ فهيهات بعد ذلك هيهات! ومن هذا لا أحس بقلوبهم ولا بشهواتهم، وما أنا بينهم إلا كالتي تؤدي عملا فنيا على ملأ من الأساتذة الممتحنين، والنظارة يحكمون لها أو عليها؛ فهي في فكرة الامتحان، وهم لأنفسهم فيما شاءوا. . .
ولست أنكر أن أكثرهم، بل جميعهم يخطئ في طريقة تناوله السيال الكهربائي المنبعث من نفسي، ولكن لا علي، فهذا السيال نفسه ينبعث مثله من الزهر، ومن القمر والكواكب، ومن كل امرأةجميلة تمشي في الطريق، ومن كل جميل في الطبيعة، وحتى من الأمكنة والبقاع إذا كان لإنسان فيها ذكريات قديمة، أو نبهت ببعض معانيها بعض معانيه.
قالت الياقوتة: فإنما كما ترى؛ اضطرب وجوها من الاضطراب في جذب الناس ودفعهم