الجميل، وطالبه أن ينزل على خمائل الوادي في إيقاع رقيق كأنه تغريد وتطريب، وأن ينزل سلاماً على النبات كما يتساقط الندى على أكمام الزهر، وأن يواسي منازل الشاعر وأحبابه. قال شوقي:
يا ساري البرق يرمي عن جوانحنا ... بعد الهدوء ويهمي عن مآقينا
لما ترقرق في دمع السماء دماً ... هاج البكا فخصبنا الأرض باكينا
الليل يشهد: لم تهتك دياجيه ... على نيام ولم تهتف بسالينا
والنجم لم يرنا إلى على قدم ... قيام ليل الهوى للعهد راعينا
كزفرة في سماء الليل حائرة ... مما نردد فيه حين يضوينا
بالله أن جبت ظلماء العباب على ... نجائب النور محدواً بجبرينا
ترد عنك يداه كل عادية ... إنسا يعثن فساداً أو شياطينا
حتى حوتك سماء النيل عالية ... على الغيوث وإن كانت ميامينا
وأحرزتك شفوف اللازود على ... وشى الزبر جد من أفواف وأدينا
وحازك الريف أرجاء مؤرجة ... ربت خمائل واهتزت بساتينا
فقف إلى النيل واهتف في خمائله ... وأنزل كما نزل الطل الرياحينا
وآس ما بات يذوي من منازلنا ... بالحادثات ويضوي من مغانينا
ثم يتفقان في الحنين إلى ملاعب الصبا ومراتع الشباب، ويصور كل منهما حنينه تصويراً يوائم شاعريته، فالبارودي يذكر جزيرة الروضة حيث داره ومنبت غرامه ومرتع لذاته وحياته الهانئة، ويوازن بين حاله البائسة في حاضره وحاله الناعمة في ماضيه فتكاد تفارقه روحه، ويدعو لهذا المنزل بأن ينزل عليه المطر غزيراً كما كان يدعو العرب، محاكياً لهم في دعائه، على أن الروضة التي يحتضنها النيل من جهاتها الأربع في غنى عن هذا المطر، ويذكر بعض ما لقي من سعادة في هذا المنزل والدنيا مواتية والحياة ناعمة، وحبيبته وافية. قال:
خليلي هذا الشوق لاشك قاتلي ... فيملا إلى (المقياس) إن خفتما فقدي
ففي ذلك الوادي الذي أنبت الهوى ... شفائي من سقمي، وبرئي من وجدي
ملاعب لهو، طالما سرت بينها ... على أثر اللذات في عيشة رغد