ولا تشريد، ولم يفل من حدته وعد ولا وعيد، ونحن إذا تجاوزنا عن الناحية السياسية في حياة هذا الزعيم العظيم وهي موضع خلاف بينه وبين الزعماء الآخرين فإننا نجده زعيماً من زعماء الإصلاح الديني الذين جاهدوا لنصرة الإسلام وعملوا على تقوية الروابط الإسلامية وانتصروا لها في صدق وإخلاص وأبدوا في ميدان الثقافة الإسلامية جهوداً مشكورة كان لها أعمق الأثر عند بني قومه وأطيب الذكر في العالم الإسلامي أجمع.
فمنذ عام ١٩١٢ وقف مولانا أبو الكلام وهو لما يزل في مطلع شبابه، يهيب بالمسلمين في الهند أن يتحرروا من ربقة الجمود والتقليد، وإن يكون طريقهم في الدين التمسك بالكتاب والسنة ونبذ البدع والخرافات، وتطهير الأعمال والعقائد من المحدثات، ويصيح فيهم تلك الصيحة المأثورة:(إن الدين ما كان عليه الرسول وأصحابه والسلف الصالح من أمته، لا ما قاله فلان وفلان وإن القرآن مهيمن على الكتب السماوية والعلوم البشرية فلا تشوهوا وجهه باليونانيات ولا بتخريفات المتفرنجين).
وكان الرجل في كل ما يكتب ويدعو إليه ينطق بتلك الروح القوية التي غرسها المصلح الكبير السيد جمال الدين الأفغاني في النفوس؛ فهو الذي يقول لأبناء وطنه (إن الإسلام من أوله إلى آخره دعوة عامة إلى البسالة والجرأة والتضحية والاستهانة بالموت في سبيل الحق والقرآن، وإن التوحيد يعلم المسلمين أن الخوف والخشوع لا يكون إلا لله الواحد القهار، وأن المسلم الذي أمره ربه أن يرحب بالموت الأحمر ويتغلغل في لجج الدواهي لا يقبل السكوت عن الحق ولا يغضي على المكروه).
ولما قامت الحرب العالمية الأولى واشتبكت إنجلترا في ميدانها مع تركيا وهي أمة الخلافة يوم ذاك، وقف مولانا أبو الكلام يدعو المسلمين في الهند وفي الأقطار الإسلامية عامة أن يمتنعوا عن معونة إنجلترا في تلك الحرب التي تقوم بها ضد الدولة الإسلامية الكبرى، وطاف بالهند يلقي الخطب ويذيع البيانات في هذا، فلما أعيت إنجلترا الحيل في جذبه أو ردعه سجنته أربع سنوات، وبعد عقد الهدنة أطلقت سراحه فخرج يدعو إلى وحدة إسلامية عامة بين المسلمين، ويهيب بالدول الإسلامية أن تلتف حول دولة الخلافة لتعينها من كبوتها وتساعدها في محنها حتى ضجر به الإنجليز فأعادوه مرة ثانية إلى السجن.
فسر الزعيم أبو الكلام قدراً من القرآن الكريم تفسيراً علمياً عصرياً، وترجم القرآن كله إلى