فراجع الأطباء، وسأل الحكماء فكانوا يدارون الضحك حياء منه، ويخبرونه أن الأمعاء قد يسكنها الدود، ولكن لا تقطنها الثعابين. فلا يصدق.
حتى وصل إلى طبيب حاذق بالطب، بصير النفسيات، قد سمع بقصته، فسقاه مسهلا وادخله المستراح وكان قد وضع له ثعبانا فلما رآه اشرق وجهه، ونشط جسمه، وأحس العافية ونزل يقفز قفزا، وكان قد صعد متحاملا على نفسه يلهث أعياء، ويئن ويتوجع، ولم يمرض بعد ذلك أبدا.
ما شفي الشيخ لأن ثعبانا كان في بطنه ونزل، بل لأن ثعبانا كان في رأسه وطار، لأنه أيقظ قوى نفسه التي كانت نائمة، وان في النفس الإنسانية لقوى إذا عرفتم كيف تفيدون منها صنعت لكم العجائب.
تنام هذه القوى فيوقظها الخوف ويوقظها الفرح؛ ألم يتفق لواحد منهم أن يصبح مريضا، خامل الجسد، واهي العزم لا يستطيع أن ينقلب من جنب إلى جنب، فرأى حية تقبل عليه، ولم يجد من يدفعها عنه، فوثب من الفراش وثبا، كأنه لم يكن المريض الواهن الجسم؟ أو رجع إلى داره العصر وهو ساغب لاغب، قد هده الجوع والتعب، لا يبتغي إلا كرسيا يطرح نفسه عليه، فوجد برقية من حبيب له انه قادم الساعة من سفره، أو كتابا مستعجلا من الوزير يدعوه إليه ليرقي درجته، فأحس الخفة والشبع، وعدا عدوا إلى المحطة أو مقر الوزير؟
هذه القوى هي منبع السعادة تتفجر منها كما يتفجر الماء من الصخر نقيا عذبا، فتتركونه وتستقون من الغدران الآسنة، والسواقي العكرة.
أيها السادة والسيدات: إنكم أغنياء ولكنكم لا تعرفون مقدار الثروة التي تملكونها، فترمونها زهدا فيها، واحتقارا لها.
يصاب أحدكم بصداع أو مغص، أو بوجع الضرس، فيرى الدنيا سوداء مظلمة، فلماذا لم يرها لما كان صحيحا بيضاء مشرقة؟ ويحمى عن الطعام ويمنع منه، فيشته لقمة الخبز ومضغة اللحم، ويحسد من يأكلها، فلماذا لم يعرف لها لذتها قبل المرض؟
لماذا لا تعرفون النعم إلا عند فقدها؟
لماذا يبكي الشيخ على شبابه ولا يضحك الشاب لصباه؟ لماذا لا نرى السعادة إلا إذا ابتعدت