للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في صحاريه التي تحيط بها الأطماع، فما أن يهاجم في عقر دياره أو تأتي سنوات القحط حتى يبدأ الهجرة إما شارداً من عدو أو باحثاً عن الكلأ ويسير في هذا الطريق الصعب الشاق الذي يذكرنا بتغريبة بنى هلال فيأخذ بالبكاء على الأطلال والغابات ومساقط المياه، ولهم حوادث سجلتها الأغاني الشعبية، ولا يزال قوزاق الدون ينشدون جماعات ذكرى هذه الهجرات ويبكون الأطلال ويرسلون التحية للأسير الغائب والابن الضائع والفتاة المسلوبة، ولكن بلغة غير لغة آبائهم وأجدادهم، وإن حملت أغانيهم وعبرت عن مشاعرهم تلك النغمة الحزينة التي لازمتهم من أواسط آسيا حيث مشرق الشمس ومنبع سراج الدنيا.

ولقد أخرجت المطابع العربية بمصر الكثير من الكتب والأبحاث التي عرضت لتاريخ مصر الإسلامية، وكان من الطبيعي أن يتعرض واضعو هذه المؤلفات إلى بعض المسائل الجغرافية أو الأمور المتعلقة بشؤون الأجناس، فكان مما رأيت أن البعض أخذ لفظ جبال القبق على أنه الفقجاق، وأن القفجاق هم سكان القوقاز بل رأيت خريطة جغرافية وضع راسمها جبال القفجاق على أراضي القوقاز، ولما كان القبق وباب الأبواب والدربند في البلاد الواقعة بين بحر الخزر والبحر الأسود وهي المعروفة بسكانها من الجراكسة والكرج والداغستانيين وغيرهم وهي غير صحاري القفجاق الواقعة حول شبه جزيرة القرم والممتدة من نهر الفولجا شرقاً، رأيت أن أجمع بعض ما عثرت عليه في الكتب العربية تأكيداً لذلك.

فقد ورد في صبح الأعشى عند كلامه على بلاد الدشت قوله (وهي صحاري في الشمال وتضاف إلى القبجاق بفتح القاف وسكون الباء الموحدة وفتح الجيم وألف بعدها قاف وهم جنس من الترك يسكنون هذه الصحاري أهل حل وترحال على عادة البداوة) وفي كلامه عن القفجاق قال (هذه المملكة متسعة الجوانب طولا وعرضاً كبيرة الصحراء قليلة المدن وبها عالم كثير لا يدخل تحت حصر)

ونقل عن صاحب التعريف: إن صاحبها في أيام الناصرية (يعني الناصر محمد بن قلاوون) هو سلطان أزبك خان، وما زال بين ملوك هذه المملكة وبين ملوكنا اتحاد قديم وصدق وداد من أول الدولة الظاهرية بيبرس وإلى آخر الوقت. وفي مادة تركستان عدد ياقوت أصناف الترك وذكر القفجاق تحت اسم خفشاق، وفي المسعودى أنه كان في البلغار من قديم الزمن دار إسلام ومستقر إيمان نقل ذلك صاحب المسالك وأضاف (أما الآن فقد

<<  <  ج:
ص:  >  >>