برقوق من جنس الجركس رغب في مماليك من جنسه وكثر من المماليك الجراكسة حتى صار منهم أكثر الأمراء والجند، وقلت مماليك الترك من الديار المصرية حتى لم يبقى منهم إلا القليل من بقاياهم وأولادهم).
ويؤكد هذا النص ما سقناه من الحديث، وإن بحث المشاكل التي قامت بين أمراء المماليك يجب أن يكون قائماً على النصوص وعلى الاستقراء والبحث في كتب التراجم مع الإلمام بأجناس الترك والجركس وعصبياتهم.
في القرن السابع الهجري أتم جوني ابن جنجيز خان فتح بلاد المسلمين وأخضع إيران واتجهت كتائبه شمالاً إلى القوقاز حيث اقتحم الدربند وباب الأبواب، وفي الشمال التقى على نهر الدون بقبائل تركية هي القفجاق فخضعت لأول وهلة للفاتحين كأبناء عمومة وأخوة، ولكن المعاملة القاسية التي لقيتها أقنعت غيرها من سكان بحر الأزق (أزوف) أن الأفضل لها وأسلم هو أن تتجه غرباً، وكان ذلك من أسباب مطاردتهم والفتك بهم وتشريدهم لإعادة القطيع الضال إلى حكم الخان الأعظم. وترتب على هذه المطاردة أن توجه فاندان جوبي وسابوتاي بحملة إلى وادي الدنيبر فأتموا إخضاع الجزء الجنوبي من روسيا الحالية وهو المسمى بأراضي القفجاق.
في هذه الأثناء أي سنة ٦٣٩ كانت إحدى قبائل القفجاق لا تجد مأوى أمامها، فاتجهت إلى القرم بجواد صوداق حال البحر بينها فكاتبت أنس خان ملك الأولاق ليعبروا البحر إليه فراراً من جحافل التتار، وأجابهم إلى ذلك وأنزلهم وادياً بين جبلين وكان عبورهم إليه سنة ٦٤٠ فلما أطمئن بهم المقام غدر بهم وشن الغارة عليهم فقتل منهم وسبي، وكان من بين السبي غلامان هما بيبرس الملك الظاهر وبدر الدين بيسري الشمسي ناقل هذا الحديث، وكان عمر بيبرس أربعة عشر عاماً فكان أن بيع في مدينة سيواس وأخذ إلى حلب وانضم في مصر إلى جماعة من جنسه القفجاق يعملون في خدمة سلطان مصر.
أما في بلاد القفجاق فاستمرت المطاردة ضد القطيع الشارد إلى أن جاء الأمر من جنجيز خان باستدعاء قائديه، ومات الخان الأعظم فإذا حفيده على عرش أراضي القفجاق وما يستجد من الفتوحات.
والآن بعد مضي مئات السنين على هذه الحوادث يرقد الملك الظاهر في مدرسته بدمشق