النشاط بعيداً، فهل اتبعت فرنسا أو أخذت بهذه السياسة؟ إن التقاليد التي وضعتها حكومات فرنسا المختلفة في سياستها الاستعمارية كانت جامدة، وصعب في كثير من الأحيان على المسؤولين تغييرها واستبدالها. نعم عملت أحياناً للخروج عنها شخصيات قوية فرضت إرادتها مثل ليوتي في مراكش، ولكن سرعان ما عاد الروتين الاستعماري إلى قواعده وفرض إرادته من جديد. ومن عيوب الاستعمار الفرنسي أن فرنسا بدأت حملاتها بتكاليف باهظة، أي أن كل قطر أو بقعة من الأرض دخلتها أو بسطت حمايتها عليها كلفت دافعي الضرائب الفرنسيين مبالغ لا يستهان بها، وقد جاءت تكاليف الفتح ثقيلة لأن الطبيعة الفرنسية تريد أولاً الغلبة والنصر، فهي قد حكمت السيف، حيث يلزم السيف، ووضعت السيف أيضاً حيث كان يلزم غير السيف؛ وفي ذلك مخالفة لقواعد الاستعمار الذي يسمن البقرة ليستدر أكبر كمية من ألبانها، أما هي فحيثما حلت تحمل الأهالي الكثير من الفقر والفاقة والعنت والتشريد.
ولقد عهدنا المستعمر يتخذ له بطالة من أهل البلاد المستعبدة يروضهم على أغراضه ويوسوس لهم بما يريد، فإذا هم طوع إشارته، يصل بواسطتهم إلى أهدافه وأغراضه من غير أن تظهر نياته أو تشعر بأنفاسه ومن دون ضجة ولا جلبة. وللاستعمار الفرنسي من يخدمه بإخلاص من زعماء البلاد الخاضعة له، ولكن فرنسا اعتادت أن تضع على أكتاف رجال فرنسيين من العسكريين والمدنيين العبء الأكبر على المسؤوليات، وان تسند إليهم مباشرة سلطات التشريع والإدارة والتنفيذ، فان أساءوا التصرف تحملت هي عبء الأخطاء وخسرت عطف الناس بالدفاع عن رجالها، بينما قواعد المستعمرين تحتم على الدولة الغاضبة أن ترسم الخطط الكبرى، وان تترك أمور التنفيذ لأهل البلاد يتولونها بأيديهم حتى إذا أخطئوا، وغالباً هم مخطئون، تبرأت السلطات منهم وألصقت الأخطاء بهم وأتت بفريق جديد يتولى تمثيل نفس الدور. وهذا النظام الأخير يجعل عيوب الإدارة الاستعمارية ملصقة بأهل البلاد دائماً، بينما النظام الفرنسي يضع العيوب على راس الدولة المستعمرة ويحملها الأخطاء والأعباء كما قلنا.
تأخر المستعمرات الفرنسية في ميدان الحضارة وأسبابه:
وهناك ظاهرة أخرى لها أهميتها، وتكاد تنفرد بها المستعمرات الفرنسية وما يشبهها من