ممتلكات بعض الدول الأوربية التي احتفظت بمستعمراتها كتراث تاريخي لماضي قديم، وهذه الظاهرة هي أن التقدم المادي الذي صحب العالم في السنوات الماضية والذي فرض نفسه على أغلب المستعمرات في قارات العالم لم يشمل الإمبراطورية الفرنسية، ولذلك إذا تحدث الفرنسيون عن مجهودهم الاستعماري وملئوا العالم بكتبهم ونشراتهم، فهو مجهود عظيم من وجهة نظرهم وحدهم، ولكنه مجهود متواضع إذا قيس بما قامت به الأمم الاستعمارية الأخرى. فإذا نزلت بشمال أفريقيا، وهي من البقاع الخصبة الغنية بمواردها وثرواتها المعدنية وقارنت ما عملته فرنسا هناك بالمجهود الذي بذله الاستعمار في نواح مماثلة، لوجدت أن مجهودها لم يصل إلى الدرجة التي تسمح بها حضارة القرن العشرين، وبما تضعه بين يدي الإنسان من وسائل تمكنه من السيطرة على الطبيعة ومن إخضاعها لإرادته.
تعليل هذا الوضع:
ويعللون هذا النقص بان فرنسا بلد زراعي في حياته الاقتصادية، وهذا الوضع ينقص من طاقة فرنسا وإمكانياتها كدولة عظمى، ثم هي وطن الملكيات الصغيرة، ولذلك يبرز فبها عامل اقتصادي هام هو عامل الادخار أو التوفير النقدي الشعبي الذي يعتمد في تراكمه وازدياده عاما بعد عام على ملايين من الناس. وقيل إن هذه الأمور مجتمعة تؤثر في سياسة الدولة حينما تواجه عملها في المستعمرات لاستغلال مواردها، وذكر بعض الكتاب أن فرنسا كانت تحسن صنعهاً لو أنها من البداية فتحت أبواب إمبراطوريتها لنشاط الدول الصناعية الكبرى مثل أمريكا الشمالية، أو بعض الدول الأوربية، ولكن رجال الحكم وأساطين الاستعمار حرصوا منذ زمان طويل على وضع العراقيل الجمركية والتشريعية لمنع حدوث هذا النشاط، بل أقفلوا حدود إمبراطوريتهم وجعلوا منها مناطق محرمة وممنوعة لأي تنافس يأتي إليها من الخارج.
ولا نشك أن فرنسا كانت بلداً صناعياً من الدرجة الأولى وكان هذا في القرن الماضي، ولكن ظهور الصناعة الضخمة وتطورها السريع في بلدان أوربية أخرى جعل منها بلداً صناعياً في الدرجة الثانية. ولقد ذكرنا في بحث سابق إن التركيز الاقتصادي بين الدول الصناعية والمستعمرات أو بين المستعمرات وبعضها يعتمد على التفوق الصناعي والمقدرة