قصيرا، ومن طلبة بعد عشر سنين من الزواج كان كمن يطلب من وسط القبر من العظام والرمم الغادة الحسناء والفاتنة الهيفاء. لا، ولكن مودة وإخلاص وحب كحب الأصدقاء والإخوان.
وثانيها: إن الرجل يغتفر لصديقة ما لا يغتفره لزوجته، ويحمل منه ما لا يحمل منها، ويتسامح معه فيما لا يتسامح فيه معها، وما ذلك إلا لأنه يصدق هذه الخرافة التي تقول إن الرجل والمرأة كليهما مخلوق واحد، فهو يريد منها أن تفكر برأسه، وهي تريد منه أن يحس بقلبها، مع إن الناس كخطوط مستطيلة وفيها اعوجاج يسير، فإذا كانت متباعدة بدت للعين متوازية متوافقة، تضيع من البعد هذه الفوارق الصغيرة بينها، فإذا تدانت وتقاربت، بانت الفجوات، فأنت تصحب الصديق عشرين سنة، فلا ترى بينك وبينه اختلافا، ثم ترافقه أسبوعا في سفرة، تنام معه وتأكل معه وتشرب فترى في هذا الأسبوع ما لم تراه في السنين العشرين، فتشنؤه وتبغضه وقد كنت تحبه وتؤثره.
والله لم يخلق اثنين بطباع واحدة، لا الصديقين ولا الزوجين، فليكن الزوجان متباعدين قليلا، حتى لا يظهر الاختلاف بينهما، وليكن بينهما شئ من الكلفة والرسميات. . . كما يكون في عهدة الخطبة وأوائل الزواج، ولتكتم عنه بعض ما في نفسها، وليكتم عنها بعض ما في نفسه، فإنه ما تكاشف اثنان إلا اختلفا. وما زالت الكلفة إلا زالت معها الألفة، لأن المرء يتظرف ليظرف، ويتلطف ليلطف، ويساير الناس ليحبه الناس، فإن لم يفعل ثقل عليهم، وأنا أعرف رجالا من أهل النكته والظرف، يحرص الناس عليهم في مجالسهم لخفة أرواحهم، وحلاوة أحاديثهم، إذا دخلوا بيوتهم كانوا أجهم الناس وجها، وأيبسهم لسنا، وأثقلهم نفسا، وما ذاك إلا لإسقاط الكلفة، وإذهاب المجاملة.
وثالثها: إن الرجل يمشي في الطريق فلا يرى إلا نساءً في أحسن حالاتهن، قد طلين وجوههن، وجملن ثيابهن، ثم يدخل داره، فيرى زوجته على شر هيئة، وأقبح صورة: مصفرة الوجه، قذرة الثوب منغمسة في أوضار المطبخ، أو غارقة في غبار الكنس، فيظن أن نساء الطريق من طينه غير طينتها، وأن عندهن ما ليس عندها، فيميل إليهن وينصرف عنها، والدواء أن تكون المرأة عاقلة، فلا تجعله يراها إلا في الهيئة التي تخرج فيها من بيتها، وتستقبل عليها ضيفها، ولا تدعه يبصرها نائمة ولا يراها بغير زينة، ولا يطلع