(هذه الكلمة هي خاتمة الفصل الأخير من الطبعة الثانية من
كتاب الائتمان: عرض جديد لأصول علم الاقتصاد) الذي طبع
في دار الرسالة وظهر في هذا الأسبوع عن مكتبة الأنجلو
المصرية).
يصل المجتمع إلى أقصى قدر من الرفاهية الاقتصادية إذا استغل موارده على النحو الذي يتيح له أقصى قدر من الشباب والفراغ والجدة. ونعني بالجدة الثروة. ونعني بالفراغ أن يقصر وقت العمل بالقدر الذي يهيئ للناس التمتع بثمرات عملهم. ونعني بالشباب علو مستوى الصحة العامة، لأنه لا خير في العيش إذا فسدت آلته، وآلة العيش صحة وشباب.
والمشكلة الاقتصادية هي مشكلة قلة الوقت والموارد، فإذا استطاع المجتمع أن يستغلها أفضل استغلال خفف من حدة قلتها وفاز من القليل بالكثير.
ولكن الثروة والفراغ والقدرة على الاستمتاع وإن كانت نعمة حين تتاح للناس في مجموعهم، فإنها تنقلب نقمة إذا اختص بها أفراد دون آخرين، نقمة تفسر قول من قال:
(إن الشباب والفراغ والجِدَه ... مفسدة للمرء أيّ مفسدة!)
ولنر الآن طرفا من مفاسد تباين ثروات الناس وتباين دخولهم.
إن ثروات بعض الناس تغنيهم عن السعي لكسب أرزاقهم، ويعيش مثل هؤلاء عيشة بطالة اختيارية. وليس للبطالين ما يشغلهم غير الجري وراء حوافز الاستمتاع ومثيرات الشهوات، فهم يخلقون لأنفسهم (حاجات) ثم يجرون وراء إشباعها. ويقبل البطالون على شرب الخمر، مثلا، تزجيه للفراغ وهرباً من السأم والملالة، ولكن غيرهم يحاول أن يجري مجراهم فتشيع المفاسد بين العامة الذين يحاولون أن يتشبهوا بالخاصة وإن لم يكونوا مثلهم.
ومن هنا كان توجيه جانب من نشاط المجتمع الاقتصادي إلى إشباع (حاجات) البطالين